الجدار حلقة أمنية مفرغة تحاصر الفلسطينين

Posted by

حمزة حسن الشلالدة

وأخيرا حصل نعيم عيسى مدرس متقاعد لمادة الفيزياء في المدارس الحكومية، على تحويلة من مستشفى عالية الحكومي في الخليل، إلى مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة، لإجراء عملية بالكلى.

 لم تكن الفرحة بالحصول على التحويلة وإنما لحصوله على تصريح مستشفى يسمح له بدخول مدينة القدس التي حرم من دخولها أعوام.

بعد بناء جدار الفصل العنصري أصبح لزاماً على أي مواطن فلسطيني يريد الدخول إلى القدس حتى ولو لإجراء عملية أن يحصل على تصريح، في الفترة الواقعة ما بين 2011 و 2015 رفض وسطياً ما نسبته 17% من الطلبات التي قدمها المرضى الذين أرادوا الوصول إلى مستشفيات القدس المحتلة بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

في المساء وخلال تجهيز حقيبته نظر عيسى إلى صورة أخيه الشهيد محمود والذي على أثر استشهاده منع من الدخول إلى القدس على اعتبار أنهم “خطر على الأمن الإسرائيلي”، وفي الصباح هم بالذهاب متحمساً إلى القدس وعند وصوله معبر “300” كما يسميه الاحتلال، الذي يفصل مدينة بيت لحم عن القدس، لم يسمح له بالدخول.

يقول عيسى معقبا على عدم السماح له بالدخول إلى القدس”عشرون عاماً مضت على استشهاد أخي، وعشرون عاما مضت والاحتلال ما زال خائفا ومتوجسا من أن يكون في جينات العائلة مقاوما، هكذا هو الاحتلال يخاف من الجينات ومن الأفكار بل ويعاقبك عليها”.

بناء الجدار لم يكن اختراعاً، فالتاريخ شهد العديد من الأسوار والجدران، وهي عديدة، ولكل منها فلسفته، وبعضها أصبح تراثاً مثل سور الصين العظيم، ولكن أوهنها ما بني على الخوف، والشعور المزيف بالأمان.

 والمفارقة أن اليهود قاموا بثورة “جيتو وارسو” ضد الجدران التي فرضت عليهم من قبل ألمانيا النازية واعتبار سقوط جدار برلين سقوطا للنازية والتطرف، بينما سعت إسرائيل لبناء جدارها على أرض احتلتها طبقا للقوانين الدولية.

22/6/2002 بدأت حكومة الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري على طول 770 كم، بعرض يبلغ ما بين 60_150 متراً، ما بين مناطق عازلة وشوارع معبدة على جانبي الجدار للمراقبة، أما ارتفاعه يصل إلى 8 أمتار بالإضافة إلى الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة.

ويمس الجدار على طول مساره 8 محافظات فلسطينية تضم 180 تجمعا سكانيا، وخاصة مدينة القدس التي فصل عنها أحياء سكنية مثل مخيم شعفاط وكفر عقب وزعيم وأبوديس، حيث تضم هذه التجمعات ما يقارب 30 ألف نسمة من حملة الهوية، كجزء من سياسة تفريغ القدس من أهلها.

خارطة لمدينة القدس يظهر فيها ما سمي بالخط الأخضر “باللون الاخضر” و جدار الفصل “باللون الاحمر”، والحواجز التي تحيط بالقدس، والمناطق التي عزلها الجدارن عن مدينة القدس، بالاضافة إلى أبرز المعالم

الهدف من بناء الجدار بحسب الرواية الإسرائيلية هو الحد من عمليات المقاومة في الداخل المحتل، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة رفضت تصديق تلك الرواية لأن غالبية مقاطع الجدار بنيت خارج خط الهدنة. (الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 48).

أما الأهداف الحقيقية لبناء الجدار كما ورد من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان كانت ضم مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية وتقسيم الأراضي إلى (كنتونات) تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية وتكريس السيطرة الأمنية على مجمل أراضي الضفة والتحكم في تنقل المواطنين والتطور الديمغرافي الفلسطيني.

لطالما كان هاجس الديمغرافيا يسيطر على عقلية الساسة الإسرائيليين، لذا كان السعي دائما إلى تقليل نسبة العرب في القدس لتكون الأغلبية لليهود وهذا ما عمل عليه الاحتلال.

كما يبين الرسم البياني التغير السكاني في القدس منذ عام 1945-2017، بحيث أن نسبة السكان العرب”مسلمين ومسيحين” تناقصت بشكل حاد سنة النكبة 48، والازدياد المفاجئ لغير العرب وأغلبهم من اليهود نتيجة الهجرة المنظمة، ونلاحظ أيضا بقاء تعداد السكان غير العرب أعلى من السكان العرب في القدس مع العلم أن نسبة المواليد العرب أكثر من نسبة المواليد عند غير العرب ولكن وبسبب السياسات العنصرية من قبل الاحتلال يبقى محافظاً على تفوق نسبة غير العرب في القدس، ويشكل النمو السكاني للعرب أو ما يطلق عليه التغير الديموغرافي لمدينة القدس هاجسا لدى الاحتلال، لذلك يعمل على تشديد من سياساته العنصرية من هدم وتهجير وفصل المناطق السكانية التي تضم أغلبية عربية مثل عناتا وكفر عقب وغيرها كما هو موضح في الخريطة.

ومنذ عام 2002 أي منذ البدء ببناء جدار الفصل العنصري، ظهرت الدراسات التي تشير إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والديمغرافية الكارثية على المجتمع الفلسطيني بمجمله، وبعد هذا التاريخ أيضا أصبح الحصول على تصريح لزاما “قانونيا” على من يريد الدخول إلى فلسطين المحتلة.

هناك ما يقارب 70 نوعا من التصاريح التي يتم إصدارها للفلسطينيين، أكثرها شيوعا هي تصاريح العمل والتجارة والعلاج والاحتياجات الخاصة.

أما شروط الحصول على التصريح فتختلف من تصريح إلى آخر، ولكن المشترك بينها هو اصدار بطاقة “الممغنط” الذكية التي تضم المعلومات الأساسية للمتقدم لطلب الحصول على تصريح بالإضافة إلى خلو سجله الأمني من “العنف” المقاومة، والفوارق بعدها تأتي حسب حاجة المواطن للتصريح، للتجارة مثلاً لا بد من تقديم فواتير “مقاصات” بمبالغ ضخمة يحددها الاحتلال ليثبت صحة ممارسته للتجارة أما تصريح العمل فيشترط الزواج بعد بلوغ سن 22 عاما.

وخلف هذه الشروط والإجراءات هنالك الكثير من السياسات والكثير من التحايل والابتزاز والأهداف التي يسعى الاحتلال إلى تحقيقها وفرضها على المواطن الفلسطيني، كما أشار الدكتور أحمد رفيق عوض المختص بالشؤون الإسرائيلية.

أما عن اصدار البطاقة الممغنطة كشرط للحصول على تصريح قال عوض إنها بمثابة بنك معلومات للاحتلال الإسرائيلي إذ أن أي مواطن قد حصل على تصريح لا بد أن يصدر هذه البطاقة ويقدم مجانا معلوماته بما فيها بصمة العين والإصبع، لاستخدامها ضد المواطنين الفلسطينيين في صراع البقاء والتحدي.

سمسرة التصاريح:

إن كان بناء الجدار دليلا على القوة المزعومة، والخوف من الآخر، فان سياسة استصدار التصاريح تعبر عن هذا القلق والخوف، واتسعت مع تلك السياسة السوق السوداء لبيع التصاريح “السمسرة” وعشوائية السماح والمنع من قبل الارتباط الإسرائيلي.

للحصول على تصريح عمل بطريقة رسمية كما أشار محمد شلالدة مدير عام وزارة العمل لا بد من تقديم طلب حصول على تصريح لشركة إسرائيلية – بعد استيفاء الشروط آنفة الذكر- ويتم التنسيق من قبل الشركة مع وزارة العمل الفلسطينية وفي حال تم استيفاء الشروط يصدر تصريح للعمل في الداخل الفلسطيني بشرط عدم تغيب العامل الفلسطيني عن عمله وعدم العمل مع أي شركة أو مكان آخر، وفي حال لم يلتزم العامل بهذين الشرطين يتم إيقاف تصريحه بدون أي انذار.

أحمد (32) يعمل في مجال البناء، وأصر على عدم ذكر اسمه كاملا خوفا من سحب (الغاء) تصريحه، يحمل تصريح احتياجات خاصة، وإسمه – أي التصريح- يحمل معناه إذ يصدر لزيارة العائلة مثلا أو الصلاة، ولكن لا يجوز لمن يحمله أن يعمل، بحسب قوانيين الاحتلال.

 يصدر هذا التصريح بطريقتين بحسب أحمد الأولى مجانا من خلال الهيئة العامة للشؤون المدنية (الارتباط الفلسطيني) ولمدة أسبوعين أو شهر تقريبا كحد اقصى، أما الثانية عن طريق السماسرة، ويصدر لمدة 3 شهور ويأخذ وقت أقصر في اصداره.

أحمد يدفع على التصريح (1800) شيكل شهريا لسمسار فلسطيني مرتبط بسمسار إسرائيلي او أحد ضباط الارتباط مما يسهل على أحمد الحصول على تصريح بدون أي تأخير ولمدة أطول.

ويلاحظ أن جميع السماسرة الفلسطينيين مرتبطين بعلاقة مشبوهة مع ضباط الارتباط الإسرائيلي أو ضباط أجهزة الاحتلال (الشرطة، المخابرات)، كما صرح وليد وهدان الناطق الإعلامي باسم الهيئة العامة للشؤون المدنية، وبالتالي اصدار عدد من التصاريح لهؤلاء السماسرة يضمن لهم دخل مرتفع إذ أن استصدار التصريح لا يكلف السمسار شيئا مقابل مبلغ متوسط (1500) شيكل يدفعه العامل الفلسطيني للسمسار لغير تصاريح العمل التي قد يصل سعرها إلى (3000) ألاف شيكل شهريا.

في ظل تحكم الشركات الإسرائيلية بالعامل الفلسطيني، كما قال وهدان، أصبح هنالك رغبة لدى العامل الفلسطيني بالبحث عن خيار آخر للحصول على تصريح بدون الخضوع للشركات الإسرائيلية، إضافة إلى انتهاكها لحقوق العمال من ساعات العمل الطويلة وعدم الحصول على الإجازات والمعاملة المهينة، مع توفر إرادة الارتباط الإسرائيلي بتوفير تصاريح خارج المؤسسات الرسمية الفلسطينية.

ويهدف الارتباط الإسرائيلي من التواصل المباشر مع المواطن الفلسطيني كما قال وهدان إلى تحجيم دور المؤسسات الفلسطينية كالارتباط الفلسطيني ووزارة العمل وبالتالي تعرية المواطن الفلسطيني أمام الارتباط الإسرائيلي من حقوقه العمالية بشكل كامل وتعريضه للابتزاز من قبل ضباط الارتباط الإسرائيلي.

سمسرة التصاريح والسوق السوداء توسعت بسبب الطلب المتزايد من قبل العمال الفلسطينيين، ومساهمة الارتباط الإسرائيلي في الترويج لها، في ظل عدم توفر رادع قانوني من قبل أجهزة الامن الفلسطينية.

الدافع الذي يجبر أحمد على التعامل مع سمسار للتصاريح، هو الهروب من تحكم الشركات الإسرائيلية في عمله ويقول ” المشكلة أنك على الجهتين مش خالص، إذا روحت تشتغل مع شركة إسرائيلية رح تدفعلك اقل وتتحكم فيك بس التصريح بطلع بدون ما تدفع وفي تامين صحي وتامين على العمل، بس إذا انت مش عاجبك الشغل بدك تروح تشتري تصريح بمبلغ (1800) شيكل وتعتمد ع حالك يوم بتشغل ويوم لا وغير انك مش مأمن، بتحس السمسار شريكك في الشغل).

الهيئة العامة للشؤون المدنية حذرت على لسان وهدان من التعامل مع السماسرة، محملا المواطنين مسؤولية معاملاتهم ومطالبا السلطات الفلسطينية باتخاذ الإجراءات المناسبة للتخفيف من انتشار السماسرة.

الوضع الإنساني:

محمد فوزي 30 عاما، يعمل في مجال البناء بالداخل الفلسطيني المحتل، يحمل تصريح للعمل ساري المفعول من الساعة الخامسة صباحا إلى الساعة العاشرة مساء كأغلب تصاريح العمل.

يبدأ عملة من الساعة السابعة صباحا، ويستيقظ الثانية فجرا، ليتسنى له اجتياز الأزمة الخانقة على معبر (300) الفاصل بين بيت لحم والقدس المحتلة.

يذكر فوزي حادثة مأساوية عام 2011 لشاب من عائلة الفروخ أغمي عليه من شده التدافع والازدحام في معبر (300)، وبعد إسعافه من قبل الشباب ورد خبر وفاته نتيجة أزمة قلبية.

الارتباط الإسرائيلي من خلال صفحته على الفيسبوك والتي تحمل اسم (المنسق) يفتخر بالإنجازات التي يقدمها مؤخرا من توسعة لبعض المعابر وفتح أكثر من مسرب لمرور العمال ووضع أجهزة حديثة تسرع من عملية الفحص الأمني للعمال.

  • صورة لصفحة المنسق على الفيسبوك بتاريخ 1/7/2019 والتي يتحدث من خلالها اللغة العربية، ويطلق من خلالها حملات لإزالة المنع الأمني، ويطلق دائما هاشتاغ “الاستقرار يولد الازدهار”

الاحتلال مجبر على تحسين المعابر لأكثر من سبب، كما صرح الدكتور رفيق عوض المختص بالشؤون الإسرائيلية، فالمحتل يريد أن يظهر بصورة “إنسانية” أمام العالم، والصور التي تناولها الإعلام عن بشاعة المعابر وانعدام الإنسانية احرجته كمحتل يزعم أنه “ديمقراطي”!

وأيضا هو مجبر اقتصاديا على تحسين المعابر، لازدياد الطلب من قبل الشركات الإسرائيلية على الأيدي العاملة الفلسطينية، ورغم كل التحسينات التي يتغنى بها المنسق يبقى المعبر دليلاً على قباحة الاحتلال والعنصرية الصهيونية، لأنها لا تستوعب أبداً الأعداد الكبيرة للفلسطينيين خاصة في المناسبات الدينية كرمضان.

إسماعيل أحد العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل، لا يملك تصريح دخول إلى فلسطين المحتلة، يقول إن الكثير من العمال الفلسطينيين ممن يحملون تصاريح العمل يدخلون معنا عن طريق اللفة (أي الالتفاف على الحواجز والمعابر أو تسلق الجدار للدخول إلى القدس) هربا من أزمة المعابر الخانقة.

المأساة كانت مع الطفل عبد الله غيث 15 عاما استشهد في الجمعة الرابعة من رمضان 31/5/2019، خلال محاولته اختراق الأسلاك الشائكة للدخول إلى القدس والصلاة في الأقصى.

قصة استشهاد الطفل عبدالله / تم التصوير في اليوم الثاني والثالث من بعد استشهاده

والد الشهيد لؤي غيث 45 عاما يقول إننا توجهنا قرابة الساعة 7 صباحا نحو منطقة واد الحمص على حدود بلدة صورة باهر التابعة لمدينة القدس، مع بناته الثلاث وابنة شقيقه وابن شقيقه بالإضافة إلى الشهيد عبد الله.

عندما وصل غيث إلى (واد الحمص) ترجل عبد الله من السيارة وذهب باتجاه الشيك ليستكشف الطريق ولحظة وصوله الشيك أطلق جيش الاحتلال رصاصتين على صدره ليرتقي شهيدا.

“انا اطلعت استكشف المنطقة، في حدا بودي ابنه على الموت” يقول غيث بحسرة، ويضيف متنهداً “المعابر موت، فش احترام، وضغط وأزمة خانقة، ففكرت بالذهاب إلى منطقة ثانية، بلكي تكون أسهل، طلع فيها موت!”، حيث انه كان في الأسابيع السابقة يدخل إلى القدس عن طريق معبر (300)، ولكن من شدة الازدحام والانتظار وخوفا من عدم سماح الاحتلال لعبدالله من الدخول عن طريق المعبر، قرر غيث أن يجرب الدخول عن طريق اللفة، في حال كانت الأمور “هادئة” يدخل، أما إذا شعر بالخطورة من قبل قوات الاحتلال ينسحب مع أطفاله للذهاب إلى المعبر أو يعودا إلى البيت سالمين.

مؤسسة بيت سيلم الإسرائيلية لحقوق الانسان تقول إنه ليس هنالك مبرر قانوني ولا أخلاقي لاستخدام ذخيرة قد تسبب الموت أو أقلها إصابات بليغة، واعتبرت أن إطلاق النار عملا إجراميا.

وتضيف أن أي من عناصر “الجيش الإسرائيلي” حسب خبرتهم، لن يخضع للتحقيق ولا حتى المسؤولين المتورطين بصياغة التعليمات ضد قتل الفلسطينيين، وأن هذه التصرفات تدل على كم الاستهتار بحياة الفلسطينيين.

وبحسب اتفاقية جنيف، يعتبر قتل الأطفال ضمن جرائم الحرب حيث كفلت جميع المواثيق الدولية وشددت على ضرورة توفير الحماية لهم، أما الاحتلال يقوم عن قصد بأطلاق النار على القلب أو الدماغ بهدف القتل فقط بما يتنافى مع القيم الإنسانية والمواثيق الدولية.

الدكتور عوض يقول إن الاحتلال يتففن في تعذيب الفلسطينيين، والمعابر هي جزء من هذه الأدوات التي يستخدمها لإذلال المواطنين والتحكم في حريتهم وهذا جزء من حالة الصمود والتحدي اليومي التي يعيشها الفلسطيني

المنع الأمني والعقاب الجماعي:

صورة من موقع المنسق على الفيسبوك،بتاريخ 1/1/2019، يطلق من خلالها حملة لإزالة المنع الأمني عن قرى رام الله.

في عام 1993، تم تطويق القدس بالحواجز وفرضت الوقائع على الأرض وطلب من الفلسطينيين الحصول على تصريح للدخول إلى القدس، ويرى شعوان جبارين مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان أن هذه السياسة تزامنت مع مؤتمر مدريد للدلالة على أن هنالك عملية سياسية قادمة “أوسلو” للقول بإن القدس خارج العملية السياسية، ما سبق ذلك كان الدخول طبيعي ولا يحتاج الفلسطيني إلى تصريح.

واضاف للتحكم بمن يدخل ومن لا يدخل إلى فلسطين المحتلة، وجد المنع الأمني الذي يستخدمه الاحتلال كسياسة وليس “للأمن”، ويصنف ضمن العقوبات الجماعية في القوانيين والاتفاقيات الدولية

والسياسة التي يتعبها الاحتلال بحسب جبارين، أن القاعدة هي المنع والاستثناء هو السماح، وبالتالي الشعب كله معاقب بعدم الدخول إلى القدس إضافة إلى فرض عدم دخول الفئات العمرية من سن 16 إلى 35 إلى القدس بدون تصريح وخاصة في رمضان.

عيسى عوني شاب أربعيني من سكان محافظة الخليل تزوج من بئر السبع المحتلة عام 2004، يعمل ميكانيكي سيارات في كراجه الخاص، زوجته وأولاده الثلاثة يسكنون في بئر السبع، يلتقون كل أسبوع او أسبوعين مرة في بيته ببلدة سعير.

لا يستطيع العيش مع أسرته في بئر السبع بسب المنع الأمني الذي فرض عليه من بعد الزواج، ولا تستطيع زوجته الإقامة معه في بلدته خوفا من سحب إقامتها وهويتها.

خلال 13 عاما عاشها عيسى بعيدا عن اطفاله وزوجته يروي الكثير من القصص التي حدثت مع زوجته واطفاله  لعل ابرزها والتي تركت في نفسه شيئا من العجز حين أسعفت زوجته لوحدها ابنهما إلى المستشفى تاركةً طفليها في البيت مستنجدة بأحد جيرانها لرعايتهم خلال غيابها، وعوني على الجهة الأخرى طليقا مكبلا بالحواجز والهاتف محاولاً مواساة زوجته ونفسه، وفي منتصف الليل وبرد الشتاء جازف بالدخول عن طريق اللفة معرضا حياته للخطر، أقله الاعتقال من قبل جنود الاحتلال، يقول “بعد ما مشيت أكثر من 15 كيلو وصلت المستشفى  الكل بهت فيا، الدكاترة فكرو في معي حالة طوارئ، أواعيه كلهن مي وطين”.

عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح يقول إن الاحتلال الإسرائيلي مسكون بالرعب وبالتالي يستخدم المنع الأمني كذريعة للعقاب وإرهاب وتخويف الفلسطينيين بالإضافة إلى سياسة العصا والجزرة، التي دائما ما يستخدم فيها العصا.

يقول جبارين إن المنع الأمني، يؤثر بشكل عميق في كيفية محاولة المواطن الفلسطيني المحافظة على مصالحة ما أمكن لذلك سوف يكون رقيباً على نفسه في التعبير وممارسة الحق السياسي، مضافاً إلى ذلك أن إسرائيل تستخدم المنع كعقاب.

ويضيف أن تعزيز الهوية الوطنية من حق الفلسطيني بكافة الأشكال والأبعاد بما فيها الأشكال الثقافية في الموسيقى والأدب والمسرح والدبكة والشعر وهذا جزء من الحقوق الثقافية والتي لا يمكن أن نتعامل معها على أساس أنها امتياز يمنح لنا

يقول جبارين إن حرية الحركة ليست معزولة عن باقي الحقوق كالتعليم والصحة والعبادة والعمل كلها مرتبطة بحرية الحركة وهذا له أبعاد تنموية واجتماعية ويؤثر على الانصهار بين مكونات المجتمع وترابطهم مع بعض.

سياسية المنع الأمني بحسب جبارين، جزء من هدفها هو عزل الشباب عن القدس، والرهان على الزمن، إذ أن هنالك جيل بكاملة لم يدخل مدينة القدس ولم يكن له ذكريات تربطه بها، وبذلك يراهنون واهمين على عزل القدس عن وعي الشباب.

محمد فهاد الشلالدة وزير العدل يقول إن سياسة إسرائيل منذ عام 67 في الأراضي الفلسطينية المحتلة تنتهك كافة الحقوق للشعب الفلسطيني ومنها الحق في التنقل والسفر. والاحتلال يقوم بمنع أمني لكافة المواطنين الفلسطينيين ويحرمهم من التنقل داخل المدن الفلسطينية وأحيانا يستخدم النفي والإبعاد عن الأرض المحتلة كعقوبة جماعية، مخالفاً لاتفاقية جينيف التي تنص على حرية حركة السكان داخل الإقليم المحتل والقدس جزء من الإقليم المحتل.

ولعل الخوف من الكلام للحفاظ على الحقوق المشروعة يظهر وبعمق عند “م.س” الذي رفض الكشف عن هويته خوفا من المنع الأمني، فقبل حصوله على تصريح قدم طلب استرحام للارتباط الإسرائيلي لإزله المنع الأمني.

في الآونة الأخيرة نشطت صفحة المنسق على الفيسبوك، ويتابعها أكثر من نصف مليون فلسطيني في الإعلان عن حملات لإزالة المنع الأمني في المناطق الفلسطينية وتدعو المواطنين مباشرةً إلى التوجه إلى الارتباط الإسرائيلي لتقديم طلبات استرحام لإزالة المنع الأمني،

 التواصل المباشر كما أشرنا سابقاً ساهم في ازدياد سمسرة التصاريح وتحجيم دور الارتباط الفلسطيني، ولكن الأخطر بحسب شعوان هو الاستفراد بالمواطنين الفلسطينيين بغية أن يسقطوا كضحايا في فخ العمالة.

وعن دور الهيئة العامة للشؤون المدنية (الارتباط الفلسطيني) يقول وهدان إن المنع الأمني ليس من مهام الهيئة ويقتصر دورها على التنسيق مع الارتباط الإسرائيلي باعتبار أنها الجسم الوحيد للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي أي متطلبات أو احتياجات مع الاحتلال يجب أن تمر ضمن الهيئة العامة سواء مؤسسات أو مواطنين أو أي جهة فلسطينية، وما يقوم به الارتباط الإسرائيلي من التواصل المباشر يعتبر مخالفاً للاتفاقيات الموقعة في أوسلو والتي على أساسها أنشئت الهيئة.

وعن هدف الحملات الأمنية يقول عوض أن المسألة مركبة ولها أكثر من بعد، البعد الاقتصادي (الذي أشرنا اليه سابقا)، أما البعد السياسي وهو الأخطر بحسب عوض يتمثل في الشروط التي يفرضها الاحتلال لإزالة المنع الأمني كتعبير عن قوتها وتحكمها في الشعب الفلسطيني من جهة ومن جهة أخرى استثمار لطاقات المخزون الشبابي الفلسطيني وتفريغها بالعمل والاهتمام بالأسرة ولهذا يشترط الزواج للحصول على تصريح.

يظهر على صفحة المنسق غالباً هاشتاغ (الاستقرار يولد الازدهار)، وهذا جزء من سياسة العصا والجزرة التي يستخدمها الاحتلال، بحسب عباس زكي، ومحاولة إقناع الشباب “بالهدوء” للحصول على تصريح والعمل، وبالتالي تحويل الشباب إلى التفكير بالعمل والاهتمام بالعائلة كجزء أساس من شرط الحصول على تصريح، غير ذلك تكون مهدد بالمنع الأمني.

(م.س) وخلال بحثه عن محامي للإسراع في إزالة المنع، عرض عليه أحد السماسرة استصدار تصريح (شاباك) مخابرات، لمدة ستة شهور، وبدون الحاجة لإزالة المنع الأمني، شعر بالقلق من التصريح لسهولة اصداره، في حين أنه بحاجته للعمل. لم يكن مدركا لحظتها لخطورته إلا أنه تبع حدسه وقلقه فرفض بعد أن حذره أصدقائه من التصريح.

يشير جبارين إلى أن دولة الاحتلال وفق اتفاقية جنيف مسؤولة عن رفاهية السكان في الأرض المحتلة ويقع على عاتق الاحتلال توفير فرص عمل للسكان ولكن الاحتلال لا يلتزم بأي من هذه القوانين.

وأن الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال كانت مجحفة وتضمن حقوق الاحتلال بالدرجة الأولى وأشار جبارين إلى أن السلطة “وضعت رقبتها تحت السيف عندما وقعت اتفاقية باريس الاقتصادية” وبالتالي أصبحت السلطة بنظره سلطة بدون سلطة لأنها منزوعة الإرادة والموارد الاقتصادية وحرية الحركة.

أما عن طريقة مواجهة انتهاكات الاحتلال، هنالك قوى وطنية تطالب بحل السلطة ومقاومة الاحتلال على كافة الأصعدة، وهنالك من يرفض حل السلطة ويرى في القوانيين الدولية مساحة لمحاكمة الاحتلال مع دعمهم للمقاومة، والاساليب كثيرة لكن الكل يتفق على أن الاحتلال مسؤول عن الجرائم التي يرتكبها، وأن الصمود في وجه الاحتلال وما يقوم به من تقيد للحريات بحجة المنع الأمني وإهانة المواطنين على المعابر هو جزء من المعركة وحالة الاشتباك مع الاحتلال.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *