الإنعاش أم الموت المُحتَّم.. ما هو مصير الصحف الورقية الأردنية؟

Posted by

إعداد سلام برجاق


الاستمرار أو عدم الاستمرار. كلمتان أصبحتا مقترنتان في وصف مسيرة الصحف الورقية التي تواجه منذ سنوات أزمة حقيقية مع ظهور ثورة الإنترنت وثورة المعلومات، التي ساعدت على ظهور صحف إلكترونية أصبحت تنافس الورقية بأعداد قراءها، ومع تزايد أعداد مستخدميها بدأت تتراجع شعبية الصحف الورقية ليظهَر للسطح ملامح أزمةٍ أخرى تُنذِر بأزماتٍ أشدُّ وطأة.

لم تظهر أزمة الصحف فجأة، ولم تقتصر  فقط على المستوى المحليّ بل هي أزمة شهدتها دول العالم أجمع، العربية منها والأجنبية، وأبرزها القرار الذي أعلنت عنه الهيئة الوطنية للصحافة في مصر في بداية الشهر السابع من هذا العام، والمُقتضي بتحويل الصحف المصرية المسائية “الأهرام المسائي” و”الأخبار المسائي” و”صحيفة المساء” إلى إصدارات إلكترونية ووقف الإصدارات الورقية، القرار الذي لقي دعماً من البعض ورفضاً من البعض الآخر، والذي علّق عليه عضو مجلس نقابة الصحفيين المصري جمال عبد الرحيم بأن “الصحافة الورقية في مأزقٍ خطير”.  

ولم تكن مصر هي الوحيدة التي لجأت لهذا الخيار، فسبقتها لبنان في عام 2020 بوقف صحيفة “ذا ديلي ستار” الورقية وتحويلها إلى إلكترونية، لا يستطيع قراءتها واستعراض محتوياتها إلا من يشترك بموقعها الإلكتروني، وسبقتها صحيفة “السفير” عام 2016 التي اكتفت بموقعها الالكتروني. واختلفت عنها صحيفة “الحياة” اللبنانية بأنها توقفت عن العمل الورقي وأغلقت موقعها الإلكتروني خلال عام 2018، الأمر الذي دعا رئيس مركز صحافة بلا حدود هاني الظاهري إلى التعليق على تويتر: “الإعلام الحديث صناعة محتوى عصري يوظف التقنية باحتراف وتسويق ابتكاري.. الزمن لا يتوقف عند أحد”.

التجربة الأجنبية ليست ببعيدة كثيراً عن التجربة العربية، إذ أن توقف صحف ورقية عالمية عن الصدور ترك ندبةً في هذا المجال وأبرزها صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية التي توقفت ورقياً عام 2016، والتي اعتمدت على موقعها الإلكتروني والمنفعة العائدة من الاشتراك به.

لا تختلف أزمة الصحف الورقية الأردنية كثيراً عن سابقاتها، حيث تجلّت أزمتها لتبدو أكثر وضوحاً خلال السنوات العشر الأخيرة، فلم تكن أزمة ظهرت فجأة بشكلٍ غير محسوب بل ظهرت بوضوحٍ أكبر عندما أُغلِقَت صحيفة “العرب اليوم” بشكل كامل عام 2013 بسبب وضعها “المنكوب مالياً” والذي تفاقم بسبب رفض الحكومة تخفيض الضرائب المفروضة على هذه الصحف. بينما صحيفة “السبيل” توقفت عن الصدور ورقياً واكتفت بموقعها الإلكتروني مطلع عام 2020 بسبب تراجع الإعلانات وتفاقم الأزمات المالية.

مرّت الصحف الورقية الأردنية بعدد من المحطات البارزة في تاريخها، يُظهِر الخط الزمني التالي أبرزها.

يُسلِّط التقرير الضوء على أزمة الصحف الأردنية “الرأي” و”الدستور” و”الغد”، من خلال دراسة الأزمات المالية المتعاقبة، تحت إدارات مؤسسية لم تستطع احتواءها، والتي يندرج تحتها أزمة الإعلانات والأزمة التي لحقت في موظفي الصحف. إضافةً إلى أزمة فقدانها لجمهورها بسبب “التدخل الناعم” بمحتواها. وآخراً منافستها الشديدة أمام ما يُعرَف اليوم بالإعلام الرقمي.

https://www.youtube.com/watch?v=uPQRTOUAohk

أزمة مالية متراكمة

بدأت تجليات الأزمة المالية تظهر منذ عام 2010، وتحديداً على صحيفة الدستور التي حلّ عليها العام وبحسب ميزانيتها بخسائر تُقدّر بالمليون دينار، واستمرت الخسائر بالتذبذب حتى وصلت إلى 6 مليون بحسب المعلومات الأولية التي طرحتها لميزانيتها السنوية لعام 2020.

لم تتأخر صحيفة الرأي عن ركب الخسائر التي أصابت جارتها، حيث ظهرت تجليات هذه الأزمة عليها خلال عام 2013، فبحسب ميزانيتها السنوية بدأ صافي الربح بالنقصان حتى بدأت الخسائر تظهر بعد سنتين بما يُقارب الـ 4 مليون دينار واستمرت بالتزايد حتى وصلت خلال عام 2019 إلى 7 مليون دينار.

يقول رئيس تحرير الدستور مصطفى الريالات رداً على بداية الأزمة مبكراً في الدستور، بأن الرأي كانت تتمتع بميزة ساندتها إلى حدٍ ما وهي أنها كانت الصحيفة الأولى التي كانت تتلقى إعلانات الوفيات بكميات كبيرة في الأردن، الأمر الذي أخر من ظهور الخسائر فيها بينما كشف عنها مبكراً في الدستور.

يُعزى سبب هذه الأزمة المالية إلى ما أسماه البعض بـ”سوء الإدارة” لهذه المؤسسات، حيث وضّح تقرير “أزمة الصحف: عمالة زائدة، أجور متضخمة وواسطة” الذي أعدته الصحفية سوسن زايدة خلال عام 2013 والذي وثقت فيه بالأرقام أزمة العمالة الزائدة التي تكلّف الصُحُف مبالغ تفوق قدرتها، وعن أعداد الإداريين التي تفوق أعداد الصحفيين في هذه المؤسسات، عدا عن كُتّاب المقال الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة.

أضاف صحفيون آخرون أن أزمة العمالة الزائدة اختفت تدريجياً عبر السنوات كون الأزمة المالية ضغطت على الصحف لتُقلل من هذه الأعباء والتي لم تترك لها حيزاً إلا أمام حلٍ وحيد يسمى بـ “إعادة الهيكلة”. ظهر هذا الأمر جلياً من خلال مقارنة أعداد الصحفيين وكُتّاب الرأي في عام 2013 مقارنةً مع عددهم في هذا العام، علمأ أن أعداد كتاب الرأي تشمل فقط اليوميين.

تشابهت صحيفة الغد مع صحيفتيّ الرأي والدستور في مشكلة العمالة الزائدة والأجور المرتفعة، ولكنها اتبعت خطة مختلفة عنهما، حيث عملت على تقنين أعداد الموظفين، إذ أن من يخرج من المؤسسة لا تأتي بغيره كوسيلة لتقليل عدد الموظفين وبالتالي تقليل المصاريف، الأمر الذي جعل أزمة الغد المالية تقل عن الأزمة التي تشهدها الصحيفتَين الأُخرَتَين.

تقول الصحفية الاقتصادية في صحيفة الغد سماح بيبرس: “عددُنا كموظفين أقل من الصحف الأخرى لأن الموظف الذي يخرج من الغد لا نأتي بغيره، أما الموظفين الذين كانوا يتمتعون برواتب مرتفعة خرجوا منذ بدايات الجريدة إما بسبب مشاكل إدارية أو اقتصادية أو لدواعي السفر”.

كما وترتبط الأزمة المالية بارتفاع كُلَف التصنيع أو ما يُعرَف بـ “كُلَف صناعة الصحافة”، فبحسب مدير التحرير في رئاسة تحرير الرأي عماد منصور فإن الورق الموجود في الأسواق العالمية ليس كالسابق، هناك شُحّ في هذه المادة، إضافة إلى ارتفاع أسعارها وأسعار الحِبر، كما أن الجمارك والضرائب المفروضة على مدخلات إنتاج الصحافة الورقية ساهمت في زيادة كُلَف الإنتاج والذي ترك أثراً على موازنة الصُحُف.

كورونا.. أزمةٌ أخرى

يربط البعض أزمة الصحف بتداعيات جائحة كورونا، ولكنها لم تكن إلا مُسرّعاً ساهم في إبراز وتفاقُم هذه الأزمة أكثر فأكثر، خاصةً مع حزمة القرارات الحكومية التي اتخذتها الحكومة الأردنية لمواجهة جائحة كورونا ومنها إيقاف طباعة الصحف الورقية بدعوى أنها ناقلة للفايروس في 13 مارس 2020، والتي استمرت متوقفة قرابة الشهرين ونصف، الأمر الذي وصفه مركز حماية وحرية الصحفيين في تقريره “تحت الحظر” بأنه لا يستند إلى الأدلة العلمية الكافية، والذي ذكرت من خلاله أن إدارات الصُحُف وجهت رسالة لرئاسة الوزراء طالبتها بتعويضات عن الأضرار التي لحقتها بسبب التوقف عن الطباعة، وما رافقها من توقف لإيراداتها، وأكدت فيه أن الصحف توقفت ورقياً إلا أنها استمرت بالصدور إلكترونياً، الأمر الذي أفقد الصُحُف مشتركيها، وبعضهم لم يجدد اشتراكه.

بينما علقت نائب مدير تحرير المندوبين في صحيفة الدستور نيفين عبد الهادي أن هناك الكثير من التقارير الرائعة والتحقيقات الاستقصائية التي نُشِرَت خلال جائحة كورونا من قِبَل الصُحف، ولم تكن الجائحة عائقاً أمام الإنتاج الصحفي للصحف.

ما لا يمكن الجدال فيه هو أثر جائحة كورونا على الاقتصاد المحلي، والتي أثرت على العديد من المؤسسات، الأمر الذي اضطرها إلى تخفيض ميزانياتها بما يخص الإعلان وبالتالي انعكس هذا الأمر بشكل مباشر على الصُحُف. ولكن مشكلة الإعلانات لم تكن آنية هي كذلك، بل بدأت مع ظهور الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فبدأت تُنافس الإعلان الورقي.

تكمن مشكلة الصحافة الورقية أن تركيزها انصب على سوق الإعلان، فالإعلان هو جزء مهم جداً من إيرادات المؤسسة الصحفية، ولكن فكرة توزيع الإعلان اختلفت، حيث أصبحت توزع على كثير من وسائل الإعلام، في السابق كان هناك ثلاث صحف يومية وإذاعة وتلفزيون، وكانت حصة الإعلانات توزع عليها، بينما الآن هناك ثماني صحف يومية ورقية، و140 موقع إلكتروني، وعشرات المحطات الإذاعية، وأيضاً أكثر من عشر محطات تلفزيونية، فأصبحت هذه الإعلانات التي كانت تأتي إلى صحيفتين أو ثلاثة توزع على كل هذه المؤسسات الإعلامية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على الصحف مما أدى إلى زيادة كبيرة في العجز المالي فيها وتخفيض نسبة الإيرادات التي ترد إلى موازنتها.

إضافةً إلى ذلك، الكثير من المُعلنين لجؤوا إلى الإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، لما لها من قدرة على الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص. يقول مسؤول قسم الإعلان والتسويق في صحيفة الدستور رأفت عيسى إن أزمة الإعلانات بدأت مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي؛ من فيسبوك وإنستجرام وغيره، حينها بدأت الكثير من الشركات تتحول من الإعلانات الورقية إلى الإعلان على هذه المواقع الإلكترونية، حيث شهدت أوجها خلال عام 2005، ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها كلف أقل، وفيها وفرة أفضل لأصحابها، إضافةً إلى الانتشار الأوسع والقدرة على الوصول إلى شريحة أفضل من الأشخاص.

ويقول مدير تحرير الدائرة الاقتصادية في صحيفة الرأي علاء القرالة معلقاً على ذلك: “كمُعلِن عندما أدرس الجدوى وأذهب للإعلان على موقع سيحدد لي الجهة المستهدفة والمساحة الجغرافية وكيفية عرضها بطريقة سريعة غير مملة مقابل أن أشحن بمبلغ مادي بسيط، مداه الزمني طويل، فأنا كمعلن سأختار هذا الخيار”.

كانت الصحف تتمتع بقدر جيد من الإعلان التجاري، وهو الإعلان الذي كانت تعتمد عليه الصحف في دعم ميزانيتها، ولكنه تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة فأصبحت الصحف تقتصر على الإعلان القضائي والحكومي.

الفرق بين الإعلانات السابقة هو أن الإعلان التجاري هو الإعلان الذي يستهدف منتجاً معيناً ويريد صاحب هذا المُنتج أن يروج له وينشره ليصل إلى أكبر شريحة من الجمهور، لهذا توجه أصحاب هذا الأمر إلى الإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي. بينما الإعلان القضائي هو الإعلان الذي يحافظ للآن على حياة الصحف وهو مرتبط بقانون أن الإعلان يجب أن يصل للشخص المُدعي عليه. أما الإعلان الحكومي فهو إعلان عطاء، يدفع ثمنه من يرسو عليه العطاء، وهدفه عرض شواغر أو قرارات تنظيمية لمجالس بلديات، ويُحاسَب بالكلمة لا بالمساحة.

ويُضيف رأفت عيسى على ما سبق أن سعر الإعلانات الحكومية تُحَدد من قِبَل وزارة المالية، وهي تُحَاسَب بالكلمة وسعر الكلمة حالياً 55 قرشاً، أما الإعلانات القضائية تُحَدد من اتفاق الصحف الثلاث. لا يوجد تنافس بالأسعار لأن هناك اتفاق واضح ما بين الصحف، يتم الاتفاق عليه، أما إن كان هناك شخص يأخذ مساحة أو شريحة أكبر في الإعلان القضائي يكون له فرصة بخصم أعلى.

علّق رئيس تحرير صحيفة الغد مكرم الطراونة قائلاً: “تضررت جميع الصحف بسبب تراجع الإعلان التجاري، وتضررت من مواقع التواصل الاجتماعي، عليها محاولة إيجاد حل لهذه المشكلة، على الصحف أن تحاول أن تدخل في عطاءات طباعة كتب ليأتيها دخل منها، ومحاولة صنع نوافذ تعوض قليلاً عن الإعلان التجاري”.

مطبعة الرأي.. كابوسٌ في تاريخها

تشابهت الصُحُف الثلاث في أزمة الإعلانات وتقاربت فيما يخص الأزمة المالية، ولكن هناك أزمة مالية أخرى تفردت بها المؤسسة الصحفية الأردنية/ الرأي، وهي أزمة “المطبعة” التي كان من المتوَقع أن تُحيل الرأي من مكان إلى مكان آخر، ولكن أحالها إلى مشاكل مالية متراكمة، انتهت بوصول ملف المطبعة إلى مكافحة الفساد.

أرشيف الرأي

قال عضو نقابة الصحفيين خالد القضاة: “هي مشروع لم يكن مدروساً وهو عبارة عن مجمّع مطابع، بدأت تكلفته حوالي 10 مليون دينار أردني، وهي قضية موضوعة أمام القضاء وأمام مكافحة الفساد، ارتفع هذا المشروع ووصل إلى 35 مليون دينار أردني، ويحتوي المشروع على الكثير من الأخطاء والأوامر التغيرية”.

وأضاف القضاة: “كلفة تشغيل هذه الماكينات الضخمة هي كلفة عالية جداً، لا يمكنك تشغيلها فقط من أجل طباعة جريدة، وحتى تستطيع تحصيل دخل من خلالها يجب أن تعمل على مدار 24 ساعة، ولكن سوق الطباعة وحجم الجرائد الموجود في الأردن لا يحتمل هذه المطبعة الضخمة جداً”.

وأكد القضاة: “تم استدعاء 18 متهماً قبل أيام، منهم وزيرين سابقين، في قضية الأوامر التغيرية التي أدت إلى هدر موجودات الجريدة وهي أوامر تغييرية بحوالي 4 مليون دينار، تحتوي على شبهات فساد عالية، منظورة الآن أمام المحاكم، أدت إلى هدر جميع أرصدتها الاحتياطية وجميع مدخلاتها”.

علّق رئيس تحرير صحيفة الرأي خالد الشقران على الموضوع بحزن أن الرأي كانت قبل قرابة الخمس سنوات تعاني من مديونية 3 مليون ونصف، بينما اليوم تُقدَّر المديونية بـ 27 مليون.

أثرت جميع هذه الأزمات بشكل مباشر على الصحفيين وعلى قدرة الصُحُف على دفع الرواتب، ففي جريدة الرأي هناك أربع رواتب من عام 2018 لم تُدفع لهم، إضافةً إلى راتب شهر ديسمبر لعام 2020، وشهر يناير لعام 2021. كما وتوقفت الزيادات السنوية منذ قرابة العشر سنوات.

دخلت المؤسسات الصحفية في برنامج الاستدامة الذي تم طرحه للمؤسسات المُتعذرة، ولكنها بالرغم أنها تدفع ما يُقارب 37% من قيمة الرواتب إلا أن بعضها لم تستطع دفع حتى شهر مايو من هذا العام للموظفين.

وبرنامج الاستدامة هو برنامج ممول من قِبَل الحكومة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، يستفيد منه العاملون في القطاعات والمنشآت الأكثر تضرراً، وغير المصرح لها بالعمل خلال جائحة كورونا، شريطة أن يكون العامل مشمولاً بالضمان الاجتماعي من خلال مُنشأته، حيث يساهم البرنامج في دفع أجور العاملين لدى القطاعات غير المصرح لها بالعمل والأكثر تضرراً جراء جائحة كورونا.

يقول سكرتير التحرير في جريدة الغد هيثم حسّان إن الصحفي الذي لا يحصل على راتب عدة أشهر أو انقطع عنه راتبه لن يصبح لديه الدافع للعمل بشغف، لذا الأمر يدفعه لأن يُقدِّم شيئاً عادياً، لأنه لا يوجد أي دافع يحفّزه نفسياً لعمل شيء مميز، لذا أصبح هم الصحفي الأول هو توفير راتب لعائلته في نهاية الشهر.

“استقلت من الرأي بعد 22 عام… استقلت بمحض إرادتي ولكنها كانت استقالة قسرية مرتبطة بثلاثة أسباب، تأخر الراتب لمدة ثمان أشهر، وسوء الخدمات في الصحيفة، وأخيراً توقف التأمين الصحي”.

يقول رئيس تحرير سابق في صحيفة الرأي زياد الربّاعي ويضيف “عمل الصحفي هو أن يؤدي رسالة ولكن هذه الرسالة عندما تكون على حساب قوته وكرامته فسيستغني عنها”.

وبحسب صحفيين فقد تم الضغط على بعضهم لأخذ تسويات لعدة أسباب منها تقليل عدد الكادر الوظيفي، إضافةً إلى عدم قدرة هذه الصُحُف على دفع رواتب لهم، فتم التخلي في صحيفة الرأي عن 100 موظف، فضلوا القفز من المركب والحصول على التقاعد المبكر أو الذهاب إلى مكانٍ آخر.

يقول القضاة حول هذه المسألة: “إن الأمر انعكس على همة الصحفيين، إذ أصبح لدى بعضهم مشاكل مالية، وبعضهم تم ملاحقته من بنوك أو مقرضين، فبعضهم غير قادر على تسديد الديون التي على كاهله، وحتى هذه اللحظة لم نلمس أي جدية من قبل الحكومة أو الضمان الاجتماعي في دعم هذه المؤسسة”.

“تم الضغط علينا، أنا واثنين من مدراء التحرير، لنقدم تسوية متواضعة نتيجة لخلافات مع إداريين ومدراء تحرير، ونتيجة للأوضاع المالية المتراكمة… لا زال هناك ضغط يجري على بعض الصحفيين إلى الآن لتقديم استقالتهم”. يقول مدير التحرير السابق للشؤون المحلية في الغد ماجد توبة إن الأمر مؤسف، وبسبب هذا الأمر تفقد المؤسسات كفاءات لا يجب الاستغناء عنها.

الحصول على المعلومة والتَدخُل الناعم

“لا أقرأ الصُحُف لأنها لا تُمثّل همي ولا هموم المواطنين”.

يقول أحمد وهو أحد المواطنين الذين توقفوا عن الاشتراك في الصحف بسبب أنها وبحسب وجهة نظره تنقل وجهة نظر “حكومية” وبعيدة عن إيصال صوت المواطن.

يرى مركز حماية وحرية الصحفيين أن مؤشر حرية الإعلام في الأردن لعام 2020 هو “إعلام مقيد” حيث حصل الأردن على 227.3 نقطة في مؤشر حرية الإعلام من مجموع 570 نقطة.

كما حصل مؤشرا استقلالية وسائل الإعلام وحق الحصول على المعلومة على نتيجة “مقيد”، حيث أظهر المؤشر أن البيئة السياسية في الأردن مقيدة للصحافة، ولا تُشكل إطاراً داعماً لعملها.

توصلت نتائج مؤشر استقلالية وسائل الإعلام إلى أن الحكومات تستخدم الإعلانات الحكومية والاشتراكات، بالإضافة إلى الإعلانات القضائية وتوزيعها تحديداً على الصحف اليومية كنوع من الدعم لاستدامتها في ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها وسائل الإعلام، ولكن على الأرجح فإن هذا النوع من الدعم يؤثر على استقلاليتها.

كما وتوَصَلت إلى أن وسائل الإعلام (سواء كانت تملكها الحكومة أو تلك التي تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي حصصاً مؤثرة فيها، أو حتى التي يملكها القطاع الخاص) لا تتمتع بالاستقلالية الكافية.

يجدر بالذكر أن صحيفتيّ الرأي والدستور هما شركتا مساهمة عامة، تمتلك المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي نسبة من حصصهما، حيث وبحسب مركز إيداع الأوراق المالية فإن الضمان يُشكّل 4 مقاعد من أصل 9 مقاعد من أعضاء مجلس الإدارة، بملكية يبلغ قدرها 5,492,000 دينار أردني. بينما يشغل الضمان مقعداً واحداً من أصل 8 مقاعد من أعضاء مجلس الإدارة، بملكية يبلغ قدرها 3000 دينار أردني. بينما الغد هي مؤسسة خاصة مالكها شخص واحد.

تُبرر المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي استمرار الاستثمار في هذه الصحف رغم خسارتها بأن الضمان هو شريك استراتيجي لها وليس شريك يهدف إلى الربح فقط بل هناك دواعٍ اجتماعية، مثل استمرار عمل الصحيفة والحفاظ على موظفيها.

وصف هيثم حسّان الأمر “بالتدخل الناعم” من خلال صحفيين أو رؤساء تحرير، ولا يعتبره بالتدخل الفج المباشر.

يقول القضاة إن الدولة التي يجب أن تكون هذه الصحف ناطقة باسمها لا تعتبرها منصة لتمرير المعلومات لها، فأصبحنا نأخذ المعلومات من تصريحات رئيس الوزراء للرأي أو لرويترز أو لواشنطون بوست، لذا لم تعد هذه المصادر هي المصدر الأولي للخبر الذي يجعل للخبر تأثيراً وصدًى، الأمر الذي أثر على محتوى الصحف ومضمونها.

ويؤكد رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الأردنيين يحيى شقير أن الصحفيين يعانون عادةً من عدم التعاون فيما يخص قانون حق الحصول على المعلومة، ويتم المماطلة في تزويدهم بها.

وبحسب مؤشر تقييم قانون حق الحصول على المعلومة العالمي (RTI Rating) لعام 2020، حصلت الأردن على المرتبة 119 من ضمن 129 دولة، أي أنها في المرتبة 11 ضمن أسوأ الدول في حق الحصول على المعلومة.

الورقيّ في مواجهة الرقميّ

ضمن دراسة أجراها مركز الجزيرة للدراسات في عام 2016 تحت عنوان “الصحافة الورقية العربية: صراع البقاء ورهانات الرَّقمَنَة؟” والتي بيّن خلالها أهم التحديات والرهانات التي تواجه الصحافة الورقية العربية ورهانات رقمنتها، والتي أكد فيه أن النوع الجديد من الصحافة اكتسب أهمية بالغة منذ ظهوره في القرن العشرين بعد أن لُوحظ تَغَيُّر في سلوك العادات الاستهلاكية للقُرَّاء خاصة مع ظهور جيل الإنترنت الذي لم يعد يتعامل مع الصحف الورقية بنفس شغف تعامله مع الصحف الإلكترونية.

كما وذكرت الدراسة أكبر عشر دول عربية استخداماً للإنترنت، حازت الأردن على المرتبة العاشرة ضمنها.

الصحف الورقية الأردنية ليست بمعزلٍ عمّا يصيب الصحف الورقية العالمية، لذا كانت من ضمن المتأثرين من هذا التغير، ولكن ما يقع على عاتقها هو أنها كانت من ضمن المتأخرين في الانضمام لركب التطور الإلكترونيّ، وعندما تَبِعَت هذا التطور عملت على إنشاء نسخة إلكترونية متوفرة على موقعها الإلكتروني بصيغة pdf، والتي تُعتبر نسخة طبق الأصل عن نسختها الورقية.

يقول يحيى شقير إنه كان من الأولى للصحف الأردنية أن تلتمس أثر الثورة التكنولوجية مبكراً، ووجب عليها أن تدمج بين الصحافة الرقمية والورقية ولكنها تأخرت كثيراً في التحول والتكيف، فإنشاء صحيفة إلكترونية غير كافٍ، فالبعض سيكتفي بقراءة هذه النسخة المتوفرة على موقعها الإلكتروني وسيُحجم عن شراء النسخة الورقية، الأمر الذي سيزيد الطين بِلَّة.

بينما ترى صحيفة الغد أنهم كانوا مستعدين لهذا التغير، وبدأوا من عام 2011 الاهتمام بكل ما يخص التطور الإلكتروني، حيث يتابعهم على صفحتهم على الفيس بوك قرابة الـ 3 مليون متابع، وقرابة المليون على تويتر، والمليون ونصف على تطبيق نبض.

كما وحظيت الغد على العدد الأكبر في عدد الزيارات لموقعها الإلكتروني الذي قارب المليونين خلال شهر تموز من هذا العام. بينما حظيت الرأي على المرتبة الثانية، والدستور على المرتبة الثالثة. بينما حصلت المواقع الإخبارية الأردنية الأخرى على عدد زيارات أكبر لموقعها الالكتروني، حيث حصل موقع خبرني الإخباري على 3.36 مليون زيارة، كما وحصل موقع وكالة عمون الإخبارية على مليونيّ زيارة، وحصل موقع jo24 على 619.62 ألف زيارة. وذلك بحسب موقع Similar Web الذي يُراقب حركة المواقع وعدد زياراتها، إذ تم رصد عدد الزيارات للمواقع الإلكترونية السابقة لشهر يوليو من هذا العام.

يُعزي الصحفيون هذا الفارق إلى استغلال المواقع الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعي وسرعتها في نقل الخبر، إضافةً إلى استخدامها الروابط لنقل الخبر من موقعها.

تنبهت الحكومة الأردنية للخطر الذي أصبح يقترب من الصحف الورقية أكثر فأكثر، فأعلنت مطلع حزيران من هذا العام عن التوجه لإنشاء صندوق لدعم المحتوى الإعلامي، والذي سيكون له روافد مالية أخرى غير الإعلانات، من خلال المؤسسات الكبرى الخاصة، ومن خلال الخدمة المجتمعية.

وقال وزير الإعلام صخر دودين خلال مقابلة له عبر برنامجصوت المملكة الذي يُعرض على قناة المملكة: “الصندوق هو صندوق سنوي سيكون له أتعاب سنوية وله 10% من قيمة الإعلانات بالترتيب بين جميع الأطراف ومع جمعية البنوك وشركات الاتصالات وشركات التعدين والشركات الكبرى”.

وأضاف دودين: “بدأنا الآن بعمل ترتيبات أولية والجميع أبدى استعداده، لأن الجميع يريد لهذه الصحف أن تستمر”.

تباينت آراء الصحفيين داخل الصحف بين من يرى أن هذه الخطوة هي مؤشر إيجابي لدعم الصحف، وبين من يراها ما هي إلا تكرار لمحاولات سابقة بقيت حبراً على ورق.

“صحافة لا تتحدث عن قضايا المواطن، لا تستحق أن أدفع من مالي لقراءتها، فصحافة بلا حرية هي صحافة لا تصلح إلا لمسح زجاج النوافذ”.

عبارة قاسية اختتم بها المواطن أبو إبراهيم جوابه حول سؤال إن كان لا يزال، وهو في عقده الخامس، يقرأ الصحف الورقية.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *