العادات الإجتماعية في زمن الكورونا.. بين الاندثار والاعتبار

Posted by
باموق قلعة" التركية .. مناظر طبيعية تبهر الزائرين"
عروسان في منطقة أثرية في تركيا في أيلول 2020، تصوير Fotoğraf لموقع yenisafak التركي

إعداد شذى فيصل العودات

معهد الإعلام الأردني

منْ كانَ يظنُّ يوماً أنَّ العاداتِ والتقاليد الاجتماعيّةَ المتأصّلةَ في المجتمع الأردنيِّ يمكن لها أن تتغيّر؟، وكيفَ تسنّى لبعضِ الشباب ممَّن عاصروا تداعياتِ جائحة كورونا أن يفلحوا في تغيير ما كانَ يعتبر يوماً من الثوابتِ ؟، وكيفَ أضفت القرارات الحكومية في منع التجمّعات شرعيَّةً قانونيةً واجتماعية على محاولات التغيير تلك؟، وكيف كان لفكرةِ تجاوز تلكَ العاداتِ والتقاليد أثرٌ في ازديادِ عددِ عقود الزواج في الأردنّ في عام 2020 مقارنة بثبات عددها على مدار أربع سنوات مضت بحسب التقرير السنويّ لدائرة قاضي القضاة.

توضح الخريطة عدد حالات الزواج في الفترة ما بين الأعوام 2017-2020 بالإضافة الى معدل الزواج الخام .

https://datawrapper.dwcdn.net/zZJ4y/13/

” أنا كان عرسي ب 2022، قدّمته وتزوّجت ب 2020 عشان أخفّف مصاريف وكنّا من أوائل الناس اللّي استغلّوا الموضوع بطريقة ذكيّة”،هذا ما قالتْهُ دانيا قنديل، العروسُ العشرينيّة، مؤكّدةً أنّ تقديم حفل الزفاف قد كان بناء على طلبها ، وأنَّ العريس وأهله لم يتقبلوا الفكرة، فكيفَ سيتمُّ تقديم موعدِ العرس بينما الاتّفاق بين العائلتين بأن يكونَ الزواج بعد تخرّج دانيا ، وكيفَ يمكنُ أنْ يكونَ العرسُ بدونِ حفل زفاف ؟

يذكرُ أنَّ الحكومة الأردنيّة قد أعلنت في 21 آذار 2020 بتفعيل قانونِ أمرِ الدفاع، وبدءِ سريانِ الحظرِ الشاملِ لفترة زمنيّةٍ لم يتمّ تحديدُها في حيِنه، الأمر الذي سبّب إرباكاً للعديد من العائلات التي كانتْ قد حدَّدت مواعيدَ أعراسِها، وقامتْ بحجزِ أماكنَ إقامة الحفلات تبعاً لتلك المواعيد.

انتهاء حظر التجول الشامل صباح السبت
الحظر الشامل في الأردن يوم الجمعة، 9 تشرين الأول 2020. تصوير خليل مزرعاوي، أ ف ب

ويذكر أنّ العودة التدريجية للحياة قد بدأت بتاريخ 28/4/2020، بعد فرضِ حظرِ التجوّل الشامل، عندما سمحتْ الحكومة للمركباتِ الخاصَّةِ بالحركة على أساس الأرقام الفرديَّة والزوجية، وكذلك قيامها برفعِ قيودِ الحركةِ والعمل لقطاعاتٍ مختلفة، كما أعلنتْ عن عودةِ العمل بقطاعِ النّقلِ العام بنسبةٍ لا تزيد على 50 في المائةِ من قدرةِ القطاع بحسب تصريحات وزير الإعلام أمجد العضايلة في ذلك الوقت.

وتضيف دانيا أنَّ حفلَ زفافها بشكلٍ عام كان هادئاً ، إذْ حجزتْ موعداً مع فتاتين تعملانِ في مجالِ التجميلِ وتصفيفِ الشعر، بعدَ أنْ تأكّدت من عدمِ إصابتِهما بالفيروس، وتأكَّدتْ من النتيجة السلبيَّة لفحصِ الكورونا الذي أجري لكلٍّ منهُما قبلَ يومينِ من العرس، وكانتا ملتزمتينِ بارتداءِ الكمامة طيلةَ وقتِ العمل، وقالت دانيا إنّ الموعدَ الأصليَّ لعرسِها كانَ في عام 2022 ، ريثما تتخرّجُ من الجامعة، ويكون خطيبها في أتمّ الاستعدادِ لمتطلبّات العرس، وعندما اتَّخذتْ وخطيبها القرار، أكملا كلَّ التحضيرات في أقلّ من شهر، وتمَّ الزفاف بتاريخ 2/5 /2021.  

وأشارتْ دانيا إلى أنَّ حفلَ زفافِها قد أقيم في المنزل، بسببِ عدم وجود فنادقَ أو صالاتِ أفراحٍ أو مزارع، وأنَّ التنقّل بين المحافظاتِ كان محظوراً ، ودعت إليه المقرّبين جدّاً من أهلها وأهل عريسها، حيث لم يتجاوز عدد المدعوّين العشرين شخصاً، التزاماً بأمر الدفاع 16، واختصاراً للنفقات.  

 وتشاطرُها ماجدة يونس* الرأي، حيث قالتْ إنّها تزوّجت في 25/2 من العام الحالي، وإنَّ تقديم موعد الزفاف كان بمبادرة من عريسها، وكان حفل الزفاف مقتصراً على المقرّبين، لم يتجاوز عدد الحاضرين فيه 35 شخصاً. وقالت ماجدة” أنا قدّمت عرسي بيوم لأنّه رجّعوا حظر يوم الجمعة فجأة“، حيثُ كانَ مقرّراً أن يكونَ الزفاف يوم الجمعة، إلّا أنَّ عودةَ العملِ بحظرِ التجوّل يوم الجمعة، قبلَ يومين من موعدِ الزفاف أدّى إلى تغييرِ الموعد، وأشارتْ ماجدة إلى أنَّ فكرة الاحتفال المصغّر قد لاقت قبولاً من الجميع، واختصرتْ كثيراً من النفقات. 

وجديرٌ بالذكر أنَّ الأردن أعاد فرض حظرِ التجوّل في يوم الأربعاء 24-2-2021 وذلك إثر ارتفاع عدد الإصابات المسجلة يوميا بفيروس كورونا، وذلك ما جعل ماجدة تقوم بتقديم موعد عرسها ليوم قبل تطبيق حظر التجوّل.

من جهته قال أمجد (الأخ الأصغر لماجدة) إنَّ  تجهيزَ متطلّباتِ الحفلة كان مربكاً، بسببِ القرار الحكومي المفاجئ بعودة الحظر يوم الجمعة، حيث عثرَ بصعوبةٍ بالغة على الكراسي و(الصيوان) في المحلّات التي تتولى تأجيرها، بعد جولة طويلة على تلكَ المحلّاتِ.

يشيرُ الدكتور عبد الله محمد القضاة، صاحب مبادرة” وثيقةٌ اجتماعيّةٌ لتنظيمِ عمليّات وإجراءاتِ الأفراح والأتراح والمناسباتِ العامة – والّتي تمّ إطلاقُها عام 2016 للتخفيفِ من أعباءِ المناسباتِ الاجتماعية – إلى أنَّ الطقوسَ والممارساتِ الّتي كانتْ في الأفراح بعيدةٌ عن المنطق، تهدفُ أحياناً للتفاخرِ والكبرياء، وأحياناً أخرى “للنفاقِ الاجتماعيِّ”، “والتقليدِ الأعمى”، لمجتمعاتٍ نختلفُ معها حضاريّاً وفكريّاً وماديّاً، وغالباً ما كانت تلك المناسباتُ  تنتهي مخلِّفةً وراءَها الألمَ والحسرة، لضيقِ ذات اليد، بعكسِ ما يتمُّ التظاهر به.


ويضيف القضاة بأنَّ ذلك التغييرَ الإيجابيَّ يتطلَّب كذلك بمرور الوقتِ وبعد انتهاءِ الجائحة- القناعةَ والوعيَ ليكون دافعاً للاستمراريّة والحيلولةِ دون عودة تلك العادات إلى ما كانت عليه بعد زوال القوانين الملزمة لذلك.

فيما أوضحَ الدكتور القضاة إلى أنّه رغمَ ظهور بعضِ المبادراتِ الوطنيّة والمجتمعيَّةِ والمواثيقِ العشائريّةِ الّتي دعتْ إلى تقليصِ هذه المناسباتِ والتخفيف على أصحابها في الأعوامِ الماضيةِ، إلاّ أنّها لم تلقَ قبولاً واستجابةً من قبلِ المجتمع، باعتبارها جزءاً أصيلاً من العادات والتقاليد المترسِّخة في المجتمع، وليسَ من السهولةِ تغييرها.

يقول  عماد حمد، الّذي تزوَّج خلالَ أزمةِ كورونا، إنَّه تخلّصَ من تكاليفِ السفر إلى خارجِ البلاد لقضاء “شهر العسل”، مع قناعتِه بأنَّ هذه العادة لا تتناسب مع مستوى دخل المواطن، مشيراً إلى عدم وجود مراعاةٍ في قيمِ المهور ومستلزمات تأثيث البيت.


وأكًّد عماد على أنَّهُ رصدَ مبلغاً من المال يعينُه على إقامةِ حفلِ الزفاف وتبعاتِه، إلّا أنَّ التعليماتِ الصادرة عن الحكومةِ والجهات الرسميّة حالتْ دونَ ذلك، مبيّناً أنَّهُ لا يمكنُ التخلّي عن مظاهر الفرح بشكلٍ كامل، لكنّه يؤيّدُ التخفيفَ عن العروسين في تكاليفِ الزّفاف، حيثُ قامَ عماد بدعوةِ مقرّبين لا يتجاوز عددُهم الثلاثين شخصاً إلى حفلِ زفافٍ مختصرٍ في بيتِ ذويه.


وأشار”أبو وائل” _ وهو أبٌ لثلاثة أبناء _  إلى أنَّه قامَ بتزويج ابنهِ الأكبر في عام 2019، وقام بتخصيصِ كلِّ ما يملك لمساعدةِ ابنه في حفلِ زفافه، واضطرَّ لإقامةِ الولائم بسببِ توافدِ الناس من عدة محافظاتٍ لحضور الزفاف، “وكانَ لا بدَّ من القيامِ بواجبِهم، على الرّغم من الضائقة الماليّة”، حسب قوله.

 بينما قال “أبو وائل” إنّه زوّج ابنَه الثاني خلال جائحةِ كورونا العامَ المنصرم في المنزل، مستغلاًّ إغلاقَ صالاتِ الأفراح ومنعِ التجمعات، لعدم مقدرتِه على تحمّل تكاليف الزفافِ الباهظة، مؤكِّداً أنَّه يسعى لتزويجِ ابنِه الأخير بأقلِّ التكاليفِ أسوةٍ بأخيهِ السابق.

ومثلما كانَ هناك من نظَر إلى موضوع القيودِ التي فرضتْها الجائحةُ نظرةً إيجابية، لاسيَّما عند تعلّق الأمرِ باختصار التكاليف في المناسباتِ، وأنّها  بمثابة فرصةٍ مثاليّة لتجنّب البذَخِ والمغالاةِ في الاحتفالِ ، فإنَّنا لن نعدمَ وجودَ من يتحدّث بحسرةٍ عمّا يمكن تسميتُه من قبلِهم ( بالتنازلات) الّتي فرضتْها عليهم الجائحة، فعلى سبيلِ المثال أنْ تكونَ هناك حفلةُ زواجٍ كبيرة صاخبةٌ كما يشتهي، وعدمُ التساهل مع العريس في مطالبِ أهل العروس، وهو الأمر الذي تمَّ من وجهةِ نظرهم، انصياعاً لظروف الجائحة.

أنا كنت مفكرة على وقت عرسي رح يكون كل شي فاتح وأعمل عرس مثل مابدّي” هذا ما أشارتْ له بيان المومني ،العروس العشرينيّةُ الّتي تزوّجتْ كأغلبِ الفتيات خلال الجائحةِ بحفلةٍ صغيرةٍ وبسيطة أقيمتْ في منزلِ ذويها .

وتقولُ بيان إنَّ أزمةَ كورونا دفعتِ العائلاتِ إلى تقديم الكثيرِ منَ التنازلاتِ في الزواجِ ، والّتي شجّعتْ على ازدهارِ موسم الخطوبة  والزواجِ في هذه الفترة ، ومن بين هذه التنازلاتِ قبولُ العائلتين بإقامةِ حفل الخطوبةِ والزواج بدون حضورٍ كبيرٍ واقتصارُ الحفلِ على المقرَّبين، بالإضافةِ إلى تخفيفِ الشروطِ الّتي قد تُفرضُ على العريس.

في البودكاست حالة معاكسة لما تمَّ التطرُق إليه من تأثير الجائحة على الطقوس الاحتفالية في الأعراس.

الذهبُ شريكاً للجائحة

تزامنَ حلولُ الجائحة، الذي قادَ إلى تغيير في العادات والتقاليدِ، مع ارتفاعِ سعر الذهبِ عالميّاً، وذلك ما أدّى إلى بروزِ عاملٍ إضافيٍّ آخر إلى العوامل الّتي جعلت المقبلينَ على الزواج يعزفون عن شراء الذهبِ، بسبب ارتفاعِ أسعاره وتدنّي دخل المواطن نتيجة للجائحةِ، تقول آلاء غالب، “عروسة كورونا” كما لقّبتْ نفسها، إنَّها لم تقمْ بشراءِ الذهبِ قبلَ عرسها ولا تفكّرُ بذلك بعدَ عرسِها، حيث وصل سعره 41 ديناراً لكلّ غرام ، وهو سعر مرتفع جدّاً، وليس من المنطق أنْ تشتري سوارين وسلسلة ذهبية ب3 آلاف دينار.

كرت زواج الاء الإلكتروني

في تصريحٍ سابقٍ للغد، قال أمين سرِّ نقابةِ أصحابِ محلاّتِ تجارةِ وصياغة الحليِّ والمجوهراتِ ربحي علاّن:” إنَّ الطلبَ على المجوهراتِ والذهب في الأردنِّ لا زال ضعيفاً جدّاً خلال هذه الفترة، مقارنةً بالعام الماضي 2019، وذلك بسببِ ارتفاع أسعاره والتغييرات الّتي أحدثتها جائحة كورونا“.

وأشار علّان إلى أنَّ الطلب ارتفعَ لفترةٍ قصيرة في نهاية عام 2020، بشكلٍ طفيفٍ جدّاً، لكنّه بقيَ في مستوى الطلبِ المتدنّي.

“وفي السياق ذاتِه، يقول عمر محمد*، الّذي قام بعقد قرانِه في شهر 8 من عام 2020، متحدّياً بذلكَ مع خطيبتِه قضيَّة تأجيلِ الخطوبة أو حتَّى تأجيلِ موعد زواجهما بسببِ إجراءاتِ كورونا، وأكّد عمر على أنَّ التغييرَ الّذي أحدثتْهُ أزمةُ كورونا على العاداتِ المجتمعية في الأردنِّ، والّتي بقيت تكلّف “الزوجينِ” الكثير من المال لإتمامِ حفلِ زفافِهما، دفعتْهُ لعقدِ قرانِه دونَ تأجيل”.


وأشار عمر إلى أنَّ اختفاء موضوع “الجاهة” في الخطوبة” واقتصارِها على عائلةِ العروسين وحضورِ المقرّبين منهما، له إيجابيّاتٌ كبيرةٌ منها إشهارُ الخطوبةِ وبثُّ البهجة في النفوس، دونَ بذخٍ في التكاليف التي تثقل كاهلَ “العريس” لسنواتٍ قادمة.


وبين الشاب عمر،أنّ أزمةَ كورونا دفعتِ العائلاتِ لتقديم الكثيرِ من التنازلاتِ في الزواج، وشجّعت تلك التنازلات على ازدهار موسمِ الخطوبة والزواج في هذه الفترة، ومن بينَ هذه التنازلاتِ، قبول العائلتين بإقامةِ حفلِ الزفاف والخطوبة دون حضورٍ كبير، واقتصارُ الحضور على المقرّبين، بالإضافةِ إلى تخفيف الشّروط الّتي قد تفرضُ على العريس ومن بينِها شراءُ الذهب الّذي كانَ في أغلب الأحيان للتباهي أمامَ الحضور على حدِّ قوله.

نعرض في التقرير المصور حالة مخالفة لم تم الحديث عنه في هذا التقرير وهو العرس عن بعد “Online wedding” عبر منصة زوم.

ويعزو المختصُّ بعلم الإنسان (الأنثروبولوجي) الدكتور عبد الحكيم الحسبان تمسك المجتمع الأردني بالعادات والتقاليد، وصعوبة تغييرها إلى طبيعة المجتمعَ الأردنيَّ  التي ترى في المجتمعُ  مجتمع جماعاتٍ وليس مجتمعَ أفراد، إذْ يُعرَّفُ الفرد على أنّه فرد من جماعة، وبالتالي فإنَّ عاداتِ الفرد تشبهُ عاداتِ الجماعة الّتي ينتمي إليها ويتمُّ تعريفُه بها ، في القانونِ العشائريّ مثلاً، يتمُّ إجلاءُ العشيرةِ كاملة في حالِ تمّ ارتكابُ خطأٍ ما منْ قبلِ أحدِ أفرادها.

ويؤكّد الحسبان على أنَّ الفرد الجمعيَّ (المنتمي للجماعة) لا يمكنُه الخروجُ عن عاداتِ العائلةِ، العشيرةِ، المنطقةِ، والبلدِ التي ينتمي إليها، وإذا لم يقم بذاتِ التصرّفات في المناسباتِ الاجتماعية، فسوفَ ينظرُ إليه على أنّهُ شخصٌ منبوذٌ منَ الجماعة.

ويضيفُ الحسبان أنَّ هذا الفكرَ ينعكسُ تماماً على طقوسِ الأفراحِ والأتراح، ويوضّحُ بأنّهُ بمجرَّد وفاةِ شخص من العائلة، فهو لا يخص زوجتَه أو والده ووالدته فحسب، وإنّما هو ابنٌ للجماعةِ (العائلة)، وإن تقديم العزاء من قبل المعزّين ليس سببه الحزنُ على الشخص المتوفّى ، وإنّما هو الحزنُ على فقدان عضوٍ من الجماعة، وأنَّ المواساة تعدُّ من الأعرافِ الّتي تفرضُها الجماعةُ على الفرد الّذي هو جزءٌ منها.

ويشير الحسبانُ إلى أنَّ منظومة تعريف الفردِ، ومنظومةِ إدراكِ الفردِ بالمجتمعات تعني أنّ انتماءَ الفرد إلى الجماعةِ تجعلُه خاضعاً لمحاكاتهمْ فيما يتعلّقُ بالعادات والتقاليد، بينما الفردُ الذي لا ينتمي إلى جماعةٍ معيّنة لن يكونَ خاضعاً لعاداتٍ وتقاليدَ مجتمعيَّة، وذلك أمرٌ ينعكسُ على التباينِ في نوعيَّة الطقوسِ والعاداتِ في الزواج. 

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ دخل ثلاثة أرباع الموظّفينَ والمتقاعدينَ في المملكةِ، وفقَ تقاريرِ دائرةِ الإحصاءات العامّة، يقلّ عن 600 دينار، كما بلغَ معدَّل البِطالةِ 25%، ممّا قد يجعلُ الوضعَ الاقتصاديَّ الصعبَ عاملًا أساسيًا في العزوفِ عن الزواج.

تزايد مستوى البطالة من الربع الاول 2019 وصولاَ الى الربع الأول لعام 2021

وفي السياق ذاتِه تشير الأخصائية الاجتماعية النفسية الدكتورة سمر الشهوان إلى أنَّ جائحة كورونا هي أحدُ محرّكاتِ التغيير الّتي أثّرت على سلوكيات العديدِ من المجتمعات وغيَّرتْ عاداتٍ وتقاليدَ، وأقْصَت العديدَ من سلوكياتِ المجتمع.

 ومن أهمِّ العاداتِ الاجتماعيَّة الّتي غيَّرتْها جائحةُ كورونا بحسبِ شهوان، تكلفةُ الزواجِ وبيوتِ العزاءِ ومواكبِ التخرّجِ والاحتفالاتِ الكبيرةِ في مختلفِ المناسباتِ الاجتماعيَّةِ، الّتي لمْ تستطعْ تغييرها العديدُ من المبادراتِ المجتمعيَّةِ والوثائقِ العشائريَّةِ الّتي دعتْ في السابقِ إلى التخفيفِ من أعبائِها، وبقيتْ مثارَ جدلٍ في المجتمع.


تؤكّد الشهوان على أنّنا لا ننكرُ على جميعِ الأصعدة أنَّ جائحةَ كورونا خلقتْ بيئةً للتغيير للعديدِ من الممارساتِ المجتمعيَّةِ الّتي أصبحتْ مقبولةً للناس”، وتمَّتِ الاستعانةُ بوسائلِ التواصل الاجتماعيّ في تقديمِ المباركات والتعازي، مستبعدةً أن تعودَ تلكَ الممارساتُ المجتمعيَّةُ كالسابقِ بسببِ الخوفِ والقلقِ من التجمّعاتِ الكبيرة.

 إلى ذلك، فإنَّ النتائجَ الاقتصاديَّة التي فرضتْها جائحةُ كورونا وفقَ شهوان والعاملَ الصحيَّ ، هما سببانِ رئيسيّانِ لتغييرِ شكلِ وأنماطِ العاداتِ الاجتماعيّةِ وطرقِ التواصلِ المجتمعيّ في هذه المرحلةِ.

التصوير الخارجي Outdoor Sessions

وفي سياق التغيير ذاته، ظهرتْ عاداتٌ جديدة، تتمثّلُ بجلسات التصويرِ الخارجيّةِ، أو جلساتِ التصويرِ في المناطق الأثريّةِ Outdoor Sessions، إذ تشيرُ المصوّرة أمل محمّد إلى أنَّ هذا التغيير قد سبقَ الجائحة، ولكنَّه لم يكنْ بنفسِ درجةِ الانتشارِ الحاليَّةِ ، بسببِ وجود الصالات سابقاً ووجود مصوّراتٍ  داخلَ الصالات.

وتضيفُ أمل أنّه وبعد حلولِ الجائحةِ أصبحَ العرسانُ يفكّرونَ بطريقةٍ لتوثيقِ لحظاتِ “حفلِهم البسيط، والحصولِ على التذكار”، وذلكَ ما جعل الطلبَ يزدادُ على تلكَ الجلسات.

من جانبها تقول بيان المومني عن تجربة جلسة تصوير زفافها الخارجية: ” أنا جبت بدلة وطلعت أتصوّر بجبل القلعة، فكرة جديدة بالنسبة إلى والناس كانت تتطلّع علينا زي المبهورين ويجوا يباركوا لنا “.

وأضافت بيان إلى أنَّ فكرةَ التصوير في مكانٍ سياحيٍّ لم تكنْ قد خطرتْ في بالِها هي أو عريسها، وأنّ إحدى صديقاتها قد اقترحتْ عليها الفكرةَ كنوعٍ من التعويض عن حفلِ الزفاف الذي اقتصر على عدد قليل من المدعوين، وكنوعٍ  من التوثيق لهذهِ المناسبة.

وفي السياق ذاتِه تشيرُ الأخصائيّةِ التربويَّة والاستشاريَّة في العلاقاتِ الأسريَّةِ والسلوك الدكتورة ناريمان عطية أنَّ التغيَّر الاجتماعيَّ من أصعبِ وأدقِّ عمليّاتِ التغيّر، وهي عمليَّةٌ بطيئةٌ ومتدرِّجةٌ وتحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ، لأنَّها تتعاملُ مع قيمٍ وعاداتٍ وتقاليدَ متوارثةٍ من سنواتٍ طويلة، بلْ إنَّ بعضَها أصبحَ ملزِماً في نظرِ الناسِ أكثرَ من القانونِ نفسِه.


وتضيف عطية:”مع أنَّ عمليَّة التغيُّرِ الاجتماعيِّ بطيئةٌ، إلّا أنها أكثرُ ثباتاً من عملياتِ التغيُّرِ السريعةِ لأنَّها تصبحُ مقبولةً من أفرادِ المجتمعِ ولا يجدُ الشّخصُ حرجاً في الأخذِ بها، فسلطةُ العاداتِ والتقاليدِ قويَّةٌ ولا يرغبُ الغالبيّةُ في مواجهتِها “.


ومعَ إقرارِ الكثيرين بعدمِ مواءمةِ الكثيرِ من عاداتِنا وتقاليدِنا لواقعِ المجتمع وإمكاناتِه وفق عطية، كما في عاداتِ الزواجِ التي ترتفعُ فيها التكاليفُ وتكونُ أكثرَ من قدرةِ غالبيَّةِ أفرادِ المجتمعِ، إضافةً إلى سيطرةِ التقليدِ الأعمى والمباهاةِ على كثيرٍ من طقوسِ الزواجِ وعاداتِ العزاءِ أيضاً.


وتضيفُ عطية، رغمَ محاولةِ الكثيرِ من العائلات والعشائرِ تنظيمَ وثائقَ لتقنينِ هذه العادات وتهذيبِها بما يتناسبُ مع واقعِ المجتمعِ وإمكاناتهِ الماديَّةِ وطبيعةِ ظروفِ الناس، إلاّ أنَّ هذه المحاولاتِ لم تحقِّقْ النَّجاحاتِ المطلوبةَ وبقيَ أثرُها محدوداً، ومع انتشارِ وباء كورونا وما تبِعهُ من إجراءاتٍ وقائيَّةٍ وأوامرَ دفاعٍ فرضتْ عدم إقامةِ التجمّعاتِ لأكثرَ من عشرينَ شخصاً ، والتباعدَ الجسدي، إضافةً إلى حظرِ يوم الجمعة وتقليصِ الساعاتِ المسموحِ بها للتنقّل، وجدَ المجتمعُ نفسَهُ أمامَ إجراءاتٍ فرَضتْ عليه الالتزامَ بها تحتَ طائلةِ المساءلةِ القانونيَّة، وإنْ كان بعضُهم يحاولُ الالتفافَ عليها كتنظيمِ بيوتِ العزاء داخلَ المنازلِ أو في مواقفِ السيّاراتِ داخلَ العمارات.


تقول عطية:”هذا الواقعُ، أحدثَ تغيّراتٍ إجباريَّةً لدى الكثيرين عنْ غيرِ قناعةٍ منهم وآخرين كان الواقعُ فرصةً لهم لإثباتِ قناعاتِهم، وأنَّ ما طالبوا بهِ منذُ سنواتٍ أمرٌ ممكنُ التطبيقِ ويحقِّقُ في غالبِه مصلحةَ الجميعِ من ناحيةٍ ماديَّةٍ واجتماعيَّة “.

في تقريرٍ سابق لحبر وضحَ أنَّ معَّدلُ سنِّ الزواجِ قد وصلَ في الأردن بين الذكور إلى 31 سنة في عام 2018، إذ كانَ قد بلغَ 29.6 سنة عامَ 2008؛ أيْ أنَّه ارتفع بمعدل 1.4 سنة خلال 10 سنوات، مقابل 26.5 عامًا بين الإناث، نجدُ أنّ ارتفاعاً في تكاليف الزواج قد رافقهُ على الأرجحِ، رغم ارتفاع نسب التضخم والركود الاقتصادي، فقدْ بلغتْ تكلفةُ الزواجِ في الأردنّ 9900 دينارًا أردنيًا في المتوسّط عام 2010 وفقًا لدراسة أجراها منتدى البحوث  الاقتصادي .

قد يصعبُ حصرُ أعدادِ الأزواجِ الّذين قرّروا إلغاءَ مراسمَ زفافِهمْ والتخلّي عن العاداتِ والأعرافِ المرتبطةِ بالزَّواج كخيارٍ اضطراريٍّ مرتبطٍ بالظروف الراهنة، ووسيلة لتجنّب تكاليفِ الزواج الباهظة بعيداً عن انتقاداتِ المجتمع المحيطِ بهم، وذلك بعدما ألقتْ جائحةُ كورونا بظلالِها على جميعِ مناحي وأشكالِ الحياةِ، وأدَّتْ إلى التغيّر في بعضِ العاداتِ الاجتماعية، والّتي من المحتملِ أن تستمرَّ لسنواتٍ قادمةٍ، فهلْ ستكونُ هذه التغيُّراتُ سطحيَّةً وعابرةً أم أنَّها ستتركُ أثرَها على المدى البعيد؟

* أُخفي الاسم الأخير بناءً على طلبهما.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *