الزواج دون موافقة الوليّ يفتح أبواب المواجهة القانونية

Posted by

إعداد الطلبة: حمزة المهيرات، إيمان شبير، أسمهان بني سلامة

الزواج دون موافقة الوليّ يفتح أبواب المواجهة القانونية

كانت “م.أ” التي فضلت عدم ذكر اسمها، ترتجف أناملها وهي تقبض على حقيبتها الصغيرة في زاوية قاعة المحكمة الشرعية، تتفادى نظرات الناس وتخفض عينيها خجلًا، ليس من الحب الذي تحمله في قلبها، بل من سؤال ينهش رأسها بإلحاح: هل سأخرج من هنا زوجة؟ أم سيتحوّل حلمي إلى ورقة مرفوضة؟

لم تكن تريد الكثير، فقط أن تُبنى حياتها الجديدة مع من اختاره قلبها، رجل أحبته رغم فارق السن، لكنها لم تتوقع أن يقف القانون حائلًا بينها وبينه، فالعريس الذي تخطّى الثانية والخمسين بسنوات، لم يكن في نظر المحكمة شريكًا مناسبًا لفتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة إلا بأيام.

رغم موافقة والدها وأخيها، ورغم حضور وليها الرسمي ودعمه الكامل، جاء قرار المحكمة قاطعًا بالرفض، فالفارق في العمر تجاوز الثلاثين عامًا، بينما ينص القانون على ألا يزيد الفارق بين الزوجين عن عشرين عامًا. وهكذا، تحوّل حلمها إلى قيدٍ قانوني، حجب عنها بداية كانت تظنها أقرب من أي وقت مضى.

لكنها لم تكن الحالة الوحيدة، يروي المحامي صالح العقيلي سلسلة من القصص التي تشبه هذه، مؤكدًا أن قاعة المحكمة الشرعية لا تخلو يومًا من قضايا مشابهة.

ويقول: “كل يوم بتصير حالات من هالنوع، شباب محترمين، ملتزمين، بيجوا يخطبوا، بس الرفض بيجي مش من عيب في الشاب، بل من مطالب تعجيزية أو خلافات عائلية أو حتى غياب تام للولي. وبهيك حالات، المحكمة بتضطر تدخل، وبيصير القاضي هو الولي”.

واحدة من القضايا التي تابعها صالح، كانت لفتاة رفض والدها تزويجها إلا إذا قدّم العريس أثاثًا بقيمة عشرة آلاف دينار، فقط لتجهيز المنزل، ويوضح المحامي مستنكرًا: “لسه ما حكاش بالمهر الزلمي، بس الأب مصر على الأثاث!”

رفع العروسان دعوى عضل الولي، ورأى القاضي أن طلب الأب لا يستند إلى مبرر شرعي، فتولّى الولاية بنفسه وأتمّ عقد الزواج في العاصمة عمّان.

ويُبيّن “العقيلي” أن المحكمة تتعامل مع كل حالة على حدة، مؤكدًا أن غياب الولي لا يعيق إتمام الزواج إذا توفرت مشروحات قانونية تثبت سفره أو انقطاع العلاقة بينه وبين ابنته، كما في حالات الطلاق أو الهجر، وفي مثل هذه الظروف، يتولى القاضي الولاية ويعقد القران.

ويتابع: “في قضايا البنات ما بين عمر 15 و18 سنة، حتى لو اتزوجت البنت وانطلقت، بيظل لازم وليها يوافق على زواجها من جديد، حسب القانون، حتى لو صارت مطلقة، ما بيجوز القاضي يزوّجها لحاله من غير إذن الولي”.

وفي إحدى القضايا، اتهمت فتاة والدها برفض تزويجها بسبب خلافه مع والدتها المطلقة وزواجه من أخرى، وحضر الأب إلى المحكمة بعد استدعائه، وادعى أنه لم يعلم بوجود شاب يريد خطبة ابنته، وبعد أيام من السؤال، عاد ورفض تزويجها بحجة أن الشاب “لا يُصلي”.

وعندما قدّمت الفتاة شهودًا من أقارب العريس ليؤكدوا أنه رجل صالح وملتزم، أصرّ الأب على الرفض قائلًا: “لو بتجوزوه إياه، أنا بطخه”، وهنا قرر القاضي رد الدعوى.

وفي قضية أخرى، تقدّم شاب لخطبة فتاة، لكن والدها رفض تزويجه إياها بسبب وجود قيود أمنية عليه، وبعد مراجعة إدارة المعلومات الجنائية، تبيّن بالفعل وجود سجل له في قضايا تعاطي المخدرات وجرائم إلكترونية، وعلى الرغم من رغبة الفتاة في الزواج منه وتوكيلها لمحامٍ لتمثيلها، قرر القاضي رفض الزواج بناءً على ما ظهر من معلومات أمنية.

أما في حالة المطلقة، يؤكد المحامي أن القاضي يستطيع تزويجها دون الرجوع إلى ولي، لكنها تبقى حالات محدودة تتطلب شجاعة ومسوغات قانونية واضحة.

وفي ختام حديثه، يروى “العقيلي” قصة فتاة اتهمها والدها بالزنا، ما دفع النيابة العامة لتحويل القضية إلى المحكمة الشرعية لـ”ستر البنت”، ورغم وصول كتاب رسمي للقاضي، إلا أنه لم يجرؤ على تزويجها، وأعاد التواصل مع النيابة واستدعى الأب، الذي خُجّل حتى وافق، تفاديًا للفضائح.

“بيانات وإحصاءات”..

وتُظهر هذه الرسمة البيانات الرسمية حول عدد القضايا المسجّلة لدى دائرة قاضي القضاة، والتي تتعلق بحالات عضل الولي أو غيابه، ما يسلّط الضوء على حجم التحديات التي تواجهها النساء عند تعذّر الحصول على موافقة ولي الأمر في قضايا الزواج. https://public.flourish.studio/visualisation/23427978/

ويعرض هذا الرسم البياني أعداد حالات الزواج لمن هم دون سن 18 بحسب ما تم تسجيله لدى دائرة قاضي القضاة، ما يفتح النقاش حول استمرارية زواج القاصرين رغم الجدل المجتمعي والقانوني.

https://public.flourish.studio/visualisation/23518733/

وتقارن هذه الرسمة بين عدد حالات إثبات الزواج – التي غالبًا ما تقع خارج الإطار الرسمي بدايةً – وإجمالي عدد حالات الزواج المسجّلة رسميًا، بهدف توضيح حجم الظاهرة ونسبتها ضمن المنظومة القضائية.

https://public.flourish.studio/visualisation/23534591/

“فتيات بلا ولي”..

تقول المحامية والمستشارة في الإصلاح والإرشاد الأسري سماهر بني سلامة، إن نظّم قانون الأحوال الشخصية الأردني مسألة الزواج في الفصل الثاني من الباب الأول من القانون رقم 15 لعام 2019، وتحديداً موضوع “الولاية في الزواج” التي وردت في الفصل الثالث من هذا الباب، تختلف حالات غياب الولي بين الغياب المؤقت والغياب الدائم، ولكل حالة مسار خاص في المحاكم الشرعية.

وتؤكد المحامية “بني سلامة”، أن أغلب القضايا التي ترد إلى المحاكم تتعلق إما بغياب دائم للولي أو حالات أخرى لا تتعلق بالغياب بل بالعضل، أي رفض الولي تزويج الفتاة دون مبرر مشروع، وقد نظّم القانون بدائل قانونية واضحة تُمكّن الفتاة من الزواج في هذه الحالات، ضمن ضوابط معيّنة وشروط محددة بحسب عمر الفتاة، وما إذا كانت بكراً أو ثيباً.

وتوضح أن الثيب التي سبق لها الزواج وانفصلت وانتهت عدّتها الشرعية يمكنها أن تزوّج نفسها دون ولي، أما البكر فيشترط وجود الولي، وإذا غاب يُبحث في سببه. فإن لم يوجد ولي أو كان ممتنعاً، يمكن تجاوز ذلك من خلال المحكمة الشرعية التي تتخذ الإجراءات المناسبة بعد التحقق من الغياب أو العضل.

وترى المحامية أن القانون كافٍ من حيث النصوص، فهو يوفر حماية وضمانات للفتاة التي بلغت سن 18 عاماً لتقرر بشأن شريك حياتها، لكنه يحتاج إلى تطوير على المستوى الإجرائي، خاصة فيما يتعلق بطول أمد التقاضي وصعوبة الإثبات التي قد تُفوت على الفتاة فرصة مناسبة للزواج.

وفي حديث موازٍ، تُبين إنعام عشا، رئيسة جمعية تضامن للنساء الأردنيات، أن أبرز ما تواجهه الفتيات في قضايا الزواج المتعثر بسبب غياب الولي هو أن موافقة الولي تُعد شرطاً أساسياً في عقد الزواج للبكر، ما يجعل الفتيات أحياناً عرضة للابتزاز العائلي، مثل التنازل عن الميراث مقابل الموافقة على الزواج، أو الرفض نتيجة خلافات شخصية، أو تصفية حسابات.

وتشير “عشا” إلى أن هذه الحالات تتكرر كثيراً، وقد تابعت بنفسها أكثر من 12 قضية عضل في عام واحد، حيث تبيّن أن العديد من الفتيات لا يعرفن بوجود دعوى “عضل” أو لا يملكن الجرأة للتوجه إلى المحكمة لأسباب اجتماعية تتعلق بالخجل أو الخوف أو الضغوط الأسرية.

وتؤكد عشا أن الجمعية تبدأ دائماً بمحاولة الحل الودي عبر الحوار والتفاوض، خاصة أن العلاقات الأسرية لها حساسية خاصة، وقد يرفض الأب أو الأخ العريس لأسباب منطقية أحياناً، أو لأسباب تعجيزية مثل عدم موافقته على تزويج ابنته من شاب ليس طبيباً رغم أنها طبيبة.

وفي حال فشل الحلول الودية، تضطر الجمعية للجوء إلى القضاء، رغم صعوبة هذا الخيار على الفتيات، لما يسببه من قطيعة عائلية أو عزوف عن الزواج.

وتشدد على ضرورة مراجعة التشريعات الحالية، والسماح للمرأة البالغة سنّاً معيّنة، كبعد الثلاثين مثلاً، أن تتخذ قرار الزواج بنفسها دون اشتراط موافقة الولي، ما دامت تتحمل مسؤولية قرارها وتتمتع بالأهلية والوعي الكافي.

مرفق المقابلة، بالضغط على الصورة؛ للانتقال إلى الفيديو. https://drive.google.com/file/d/18GvqykEmlUloQpEFpKdF2rY1ktVT8jyH/view?usp=drivesdk

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *