آثار نفسيّة واجتماعيّة تعصف بأطفال فلسطينيين جراء اعتقالات الاحتلال

Posted by

أحمد إبراهيم- لم يكن يوماً عادياً كباقي الأيّام للطفل المعطي، حدث ذلك عصر يوم الجمعة من شهر أيلول عام 2015، بالرغم من أنّ الحادثة مرّ عليها نحو ثلاث سنوات، إلاّ أنّ دويّ الرصاصات وأثرها على جسده مازال حاضراً كأنّها وقعت للتو، وأكثر ما يؤلمه هو بتر ساقه اليمنى بعد أنْ استقرت رصاصات جيش الاحتلال الإسرائيلي فيها.

ينظر عيسى المعطي (15 عاماً) إلى ساقه المبتورة وهو جالس أمام منزله الّذي بات اقصى مكاناً يستطيع الوصول إليه بسهولة، يقول وهو يحاول شدّشدة طرفه الصناعيّ إنه ذهب للعب مع شقيقه الصغير في أحد المتنزهات بمدينة بيت لحم، قبل أنْ تندلع مواجهات مع جنود الاحتلال أطلقوا خلالها الرصاص قرب المتنزه.

 

أربع رصاصات اصابت ساقيّ المعطي قبل أن يسقط على الأرض وينقض عليه جنود الاحتلال، يقول: “صرت ازحف وأنا على الأرض شفت الدم محوط حولي، هجموا علي الجنود ومعهم الكلب، شلحوني كل ملابسي وجابوا كلبشات وربطوني واعتقلوني”.

اعتقله جيش الاحتلال ومنع عنه أي إسعافات، لا بل راح يحقق معه دون أيّ رأفة بحالته الصحيّة، وفقاً لما يقوله المعطي الّذي بدء يتذكر كيف كان ينزف والمحقق الإسرائيلي يستجوبه، ويقول: “بلشوا يحققوا معي وانا مغطى بالدم”.

تلك هي المرة الأولى الّتي اعتقل فيها المعطي وهو في عمر الـ 13 عاماً، وكان اعتقاله في المستشفى حين تم تقييده بالسرير لمدة (28 يوماُ)، خضع خلالها لعملية زراعة شريان في القدم وفشلت وتدهور وضعه الصحي، فقرر الأطباء بتر قدمه، وأفرج عنه بعدها بكفالة مالية قيمتها (7 الاف شيقل).

واعتقل مرة ثانية بعد نحو ثلاثة أشهر من الحادثة الأولى من أمام منزله لمدة ثمانية أيّام، واليوم وبعد مرور نحو ثلاث سنوات على الاعتقال ما زال يعاني من آثار نفسيّة تلاحقه، انعكست عليه وعلى علاقاته مع الآخرين، إضافة إلى آثار جسدية فرضت عليه واقعاً مريراً.

الطفل المعطي واحد من آلاف الأطفال الفلسطينيين الّذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة تضرب بعرض الحائط المواثيق والقوانين والدوليّة في التعامل مع الأطفال، فالعديد من الأطفال الفلسطينيين يتعرضون للتعذيب، أثناء الاعتقال والتّحقيق في سجون الاحتلال، وفقاً لتقارير المؤسسات الرسمية المحلية والدوليّة ومؤسسات المجتمع المدني، الأمر الّذي ينعكس على حياتهم النفسيّة والاجتماعيّة بعد خروجهم من المعتقلات.

https://i0.wp.com/www.9ory.com/uploads/1534699077291.jpg?w=810

وعلى بعد بضعة كيلومترات من منزل الطفل المعطي، يقطن في مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين الطفل المحرر أمير عليان (15 عاماً) الّذي يشارك المعطي كالكثير من الأطفال الفلسطينيين في تجربة الاعتقال والتنكيل وإن اختلفت الظروف والمجريات.

“دخولني المقبرة وكان في قبر مفتوح صاروا يخوفوا فيّ بندخلك على القبر اذا ما اعترفت”، بهذه الكلمات بدأ الطفل عليان يروي قصته مع الاعتقال وما فعله جنود الاحتلال به لحظة اقتياده من المخيم بعد منتصف الليل.

ملامح التوتر بادية على وجه عليان بعد أن قابلناه في نفس المكان الّذي اعتقل منه، فبالقرب من الجدار الفاصل الّذي يفصل بيت لحم عن القدس المحتلة تم اقتياده إلى المقبرة بالضرب والشتم الّذي بادره به جنود الاحتلال، يقول: “من وقتها صار عندي عقدة من المقابر وما بدخلهم”.

عليان كان له تجربتان مع الاعتقال، الأولى “حبس منزلي” لمدة ثلاثة اشهر ويترتب على هذا النوع من الحبس عدم السماح للمحتجز بالخروج من منزله تحت أي ظرف كان أو ابعاده عن منزله ومنطقته واحتجازه في مكان أخر لا يسمح له بمغادرته لحين انتهاء الحكم، وتلاها اعتقال لمدة 10 اشهر في سجون الاحتلال في الـ 26 من أبريل العام الماضي، وافرج عنه قبل بضعة أشهر وسط استقبال مهيب من أهل المخيم ويقول: “حسيت حالي كبير وبطل وبطلت ولد صغير”.

الاستقبال المهيب انتهى، وعاد أمير إلى منزله وبدأ مرحلة جديدة من محاولة التأقلم مع الحياة خارج السجن، وبالرغم من المحاولات فشل أمير في الهروب من كوابيس تلاحقه في نومه، يقول: “بحلم انه الجيش عندي وانهم بدهم يعتقلوني، وبتذكر القبر الي كان بدهم يدخلوني فيه، اشي متعب اضل احلم هيك”.

تتفاوت أعداد الأطفال المعتقلين يومياً؛ نظراً لمدد التوقيف والاعتقال الّتي تتراوح ما بين ساعات احتجاز وتوقيف وأسر يصل إلى أيّام وأشهر وفي حالات إلى سنوات.

وحسب بيانات هيئة شؤون الأسرى يوضح الشكل أدناه اعداد المعتقلين في السنوات الخمس الأخيرة ما بين أطفال وبالغين، ففي عام (2017) بلغ عدد اعتقالات الأطفال (1467) مقارنة مع العام (2013) الذّي سجل اعتقال (1198) طفلاً.

 

ماذا يواجه الأطفال بعد الإفراج عنهم؟

“كان يهوى لعب كرة القدم واليوم هالشي مش ممكن مع رجله المبتورة، بخروله احلامه ومستقبله، والفكرة الراسخة في رأسه إن حياته ضاعت”. بهذه الكلمات بدأ أحمد المعطي والد الطفل عيسى يصف حال ابنه بعد الإصابة والاعتقال، مضيفاً أنّ الكوابيس المزعجة دوماً كانت تؤرق نومه ونومنا وينهيها بالصراخ فزعاً، وحين يسأله عن ما يحدث معه يقول: “بتذكر الرصاص لما اخترق رجلي، وضرب الجنود الي، وعتمة السجن، بفكر حالي رجعت على السجن”.

الطفل المعطي أصبح يتحسس من أي شيء يتعرض له، والعصبيّة تلازمه، ويشعر أنّه أكبر من عمره، ويفضل العزلة عن اصدقائه وعالمه الذّي كان يلعب ويلهو فيه، وفي ظل كل ذلك بحسب ما يروي والده لم يتلق تأهيلاً نفسياً بعد خروجه من السجن: “المؤسسات بتيجي تصور وبتروح بحكوله بدنا نساعدك ونعملك نشاطات خاصة، ولكن شغل حكي”.

إصابة واعتقال الطفل المعطي كانا سبباً لتركه للمدرسة، فوالده حاول أن يعيده إليها بعد العلاج، إلاّ أنّه لم يتقبل فكرة الالتحاق بصف يضم تلاميذاً يصغروه سناً، وكان رده: “هدول ولاد صغار بقدرش اقعد معهم”.

وعلى الجانب الأخر من القصة، يشترك الطفل أمير عليان مع المعطي في ذات الفكرة من قضيّة العودة إلى المدرسة بعد أن اعتقل عندما كان (في الصف الثامن الأساسي)، رفض العودة إلى مقعده الدراسي حتى لا يكون مع أطفال أصغر منه، وفقاً لما يقوله والده اسماعيل عليان.

وتشكل عند أمير هاجس خوف من الأجانب نتيجة اعتقاله من قبل وحدة “مستعربين” تابعة لجيش الاحتلال تنكرت بمظهر سياح أجانب، وأوضح والده: “كل ما بشوف اجنبي مرق من المخيم برتعب وبتخبى صار عنده فوبيا منهم، مع العلم أنه ساكن بالمخيم كثير اجانب وهم اصدقائنا”.

ويحتاج التعامل مع الأطفال بعد الإفراج عنهم من الاعتقال إلى وعي ومعاملة خاصة من قبل الأهل لحين اجتياز مرحلة الصدمة النفسيّة الّتي تعرضوا لها خلال الاعتقال والتّحقيق والسجن، وهذا ما حرصت أمل عليان والدة الطفل أمير على فعله حين افرج عنه.

https://i0.wp.com/www.9ory.com/uploads/1531370962431.jpg?w=810 الطفل أمير عليان يسير في المكان الذّي اعتقل منه على مدخل مخيم عايدة

ومصطلح الصدمة النفسية يشير في علم النفس إلى حدوث ضرر أو أذى إلى العقل بسبب حالة من الكرب والتوتر الشديدين.

وأوضحت أنّها تحاول جاهدة عدم ترك أمير لوحده أو أن يدخل في عزلة، وإنما تجلس معه وتحاوره في عدة قضايا محاولة فهم ما يدور في فكره، “بناقشه وبكون حريصة أنه ما ينحرف عن السلوك الصح وما ينجر لعمل شيء غلط مثل تعاطي المخدرات”.

وتحدثت عليان عن اللحظات الّتي عايشتها مع طفلها أمير والذّي خاض أيضاً تجربة الحبس المنزلي إلى جانب الاعتقال، ووصفتْ هذه المرحلة أنّها “شديدة المرارة، صرت سجانة أبني”، مبينةً أنّه عانى كثيراً خلال الحبس المنزلي، وظهرت عليه تغييرات سلوكيّة مثل العصبيّة المفرطة، وكره الحياة والتشاؤم منها، والكسل والخمول الدائم.

آثار نفسيّة واجتماعيّة ترافق الأطفال بعد الاعتقال

الاختصاصيّة في الصحة النفسيّة د. فردوس عبد ربه تتابع لأغراض بحثيّة العديد من الأطفال بعد الإفراج عنهم، وكان من بينهم الطفل المعطي، تقول: “لم يأخذ التأهيل النفسي الكافي، فالمشكلة أنّ هناك تركيز من المؤسسات على الحالة عندما يقع الحدث اعلامياً واجتماعياً، لكن بعد ذلك لا يوجد متابعة ويترك الطفل لعزلته ووحدته”.

وأوضحت أنّ الاعتقال وخاصة الذّي يحدث بعد منتصف الليل يتسبب باضطرابات وصدمة نفسيّة للأطفال أكثر من غيرهم، ويظهر الشكل ادناه أبرز الآثار النفسيّة والاجتماعيّة للاعتقال على الأطفال بحسب عبد ربه.

ويواجه الأطفال بعد الاعتقال صعوبات بالعودة إلى مقاعدهم الدراسيّة بشكل طبيعي كالطفلين المعطي وعليان، وتضيف عبد ربه: “للأسف بعض الأطفال تحدثوا أن الناس صارت تخاف منهم، والأهالي يطلبون من ابنائهم أن يبعدوا عنهم؛ لأنهم يخافون انتقال عدوى الاعتقال إلى اولادهم”.

وبالرغم من كل هذه الأثار السلبيّة إلا أنّ عبد ربه لا تخفي وجود بعض الأثار الايجابيّة غير المباشرة للاعتقال، أهمها أنّ هؤلاء الأطفال لعبوا دوراً اساسياً في توعيّة وتحصين الأطفال الآخرين المعرضين للاعتقال من خلال تعريفهم بطرق الاعتقال وأساليب التّحقيق.

وحذرت من خطورة التعامل مع الطفل المعتقل على أنّه “بطل” فهو كما تقول: “طفل من حقه أنه يبكي من تجربة التعذيب، ويعود ويعيش حياته الطبيعيّة يلعب ويفرح ويعمل اشياء خطأ ويتعلم من اخطاءه، ونحبه ونرجعه لمدرسته ونعيد تأهيله ونعيد دمجه بطريقة تمكنه من تجاوز التجربة”.

وأضافت: أنّ من تعرض للتعذيب وهو طفل سيحاول بشكل أو بآخر ممارسة العنف والتعذيب الذّي تعرض له خلال مرحلة الطفولة وإسقاطه على المجتمع والأسرة، وهنا تكمن الخطورة، فإسرائيل تريد إنشاء جيل فلسطيني مشوه يعاني من أمراض نفسيّة ومشاكل داخليّة، وهو ما يعني استهداف مستقبل الشعب الفلسطينيّ.

وتتطلب قضيّة الأطفال الأسرى خطة وطنيّة شاملة للتعامل معهم، وتشييد مراكز تأهيل نفسي لمتابعتهم؛ نظراَ “لعدم امكانية بناء مجتمع سليم ومتماسك على افراد عندهم مشاكل نفسيّة” على حد تعبير عبد ربه.

بحسب احصائيّات هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين يقبع في سجون الاحتلال حتى حزيران 2018، نحو (350) طفلاً فلسطينياً ممن هم دون سن الـ18 عاماً، وبشكل هذا الرقم جزءاً من سلسة اعتقالات طالت الآلاف من الأطفال والقصر في مدن الضفّة الغربية والقدس، ويحاكم الاحتلال أمام المحاكم العسكريّة بشكل منهجي ما بين 500 و700 طفل سنوياً.

وسجلت القدس المحتلة أكبر عدد من الأطفال المعتقلين سنوياً، وعزا رئيس نادي الأسير في القدس ناصر قوس السبب في ذلك إلى اتخاذ سلطات الاحتلال اجراءات أكثر تشديداً من الناحية “الأمنية” بحق المقدسيين كونهم أكثر عرضة للاحتكاك بالمستوطنين في المدينة، وبالتالي تنتهج سياسية ترهيب وتخويف الأطفال والضغط عليهم، مضيفاً: “تعتقد إسرائيل أنها بذلك ستحرف بوصلة النضال الفلسطينيّ في عقل هؤلاء الأطفال، وستجعلهم أكثر تعايشاً مع المستوطنين، ولكن ما يحدث على الأرض يجهض هذا الاعتقاد”.

خارطة توضح توزيع الأطفال المعتقلين على محافظات الضفّة الغربية- مصدر البيانات: هيئة شؤون الأسرى والـ (DCI)

نصوص القانون الدولي أفردت مساحة كبيرة لحقوق الأطفال، إلاّ أنّ سلطات الاحتلال تضرب بها بعرض الحائط، ومن أبرزها المادة الخامسة من الإعلان العالمي الّتي اعتبرت جميع أشكال القمع والمعاملة القاسية واللاإنسانيّة للأطفال، بما في ذلك الحبس والتعذيب، والاعتقال والعقاب الجماعي، أعمالاً إجراميّة.

ونصت المادتين (37 و38) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عام 1989، على عدم تعرض أيّ طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة، وألا يحرم أيّ طفل من حريته بصورة غير قانونيّة أو تعسفيّة، ويجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون، ولا يجوز ممارسته إلاّ كحل أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة.

ومنذ عام 2015 شرع الكنيست الإسرائيلي قانون اعتقال الأطفال بعمر 12 سنة، كما رفع القانون الأحكام بحق الأطفال لتصل الى حوالي (20 عاماً)، مصحوبة هذه الأحكام بغرامات مالية كبيرة جداً.

رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين الوزير عيسى قراقع، قال إنه ومنذ تشرين أول (عام 2015)- انطلاق الهبة الجماهريّة– حتى الأول من حزيران (عام 2018)، هناك ما يزيد عن 4 الأف حالة اعتقال جرت في صفوف الأطفال القاصرين، وجاءت تلك الاعتقالات بقرار من حكومة الاحتلال، وبتصريحات تحريضيّة من قبل وزراءها “المتطرفين” على الأطفال سواء بالاعتقال أو بالقنص أو القتل والإعدامات الميدانيّة.

وشكلت الاعتقالات الّتي طالت فئة الأطفال خلال العام 2015 زيادة مقدارها (72.1%) عن العام الذّي سبقه 2014، وزيادة بنسبة أكبر تصل (134%) عن العام2013. وزيادة مقدارها نحو (147.3%) عن العام 2012. فيما أنّ الزيادة زادت عن (200%) عن العام 2011 لتصل الى (221.9%).

ومثل العام 2015 قفزة في عدد الأطفال الذّين تم اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال وخاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ذات العام الّتي شهدت ما يقارب (1200) حالة اعتقال في صفوف القاصرين، وبحسب بيانات وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى أنّ تلك السنة شهدت اعتقال (2179) طفلاً أيّ ما نسبته (31.9%) من مجمل حالات الاعتقال في الضفّة الغربيّة والقدس المحتلة.

وعن أساليب التعذيب المتبعة من قبل جيش الاحتلال بحق الأطفال، قال قراقع إنها تبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال بالضرب بأعقاب البنادق والأرجل والإهانات والمعاملة القاسية، وتمتد أيضاً إلى مرحلة التّحقيق من خلال اساليب تعذيب ضاغطة وعنيفة جداً من شبح، وعزل، وحرمان من النوم، وتحرش جنسي وغير ذلك؛ بهدف خلق الرعب والصدمات في نفوس الأطفال وتحطيم نفسياتهم، وبالتالي تحطيم المجتمع والمستقبل الفلسطينيّ الّذي يمثلونه.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيليّة العام الماضي، يتعرض نحو (60%) من الأطفال الفلسطينيّين الّذين يعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمناطق الفلسطينيّة للعنف.

وارتفعت مستويات التعذيب في سجون الاحتلال خلال العام 2016 بنسبة (400%) عن العام 2014، استناداً إلى شهادات الأسرى الّتي وصلت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين عبر المحامين.

ولا يتوافر لدى هيئة شؤون الأسرى حتى اليوم مراكز تأهيل نفسي لمتابعة حالة الأطفال نفسياً واجتماعياً بعد اعتقالهم دون أن يوضح قراقع أسباب ذلك، لكنها تقوم بتحويل المفرج عنهم إلى شبكة حماية الطفولة الّتي تضم عدداً من مؤسسات المجتمع المدني الّتي تتابع الحالات الّتي تتعرض لصدمات وأثار نفسيّة متفاقمة.

وطالبت السلطة الفلسطينية الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل لجنة للتحقيق دولياً في اعتقال الأطفال والظروف الّتي يتعرضون لها، وأن يتم ادرج إسرائيل كدولة محتلة على “قائمة العار” في الأمم المتحدة؛ بسبب استهدافها للأطفال القاصرين.

أسباب ارتفاع مستويات اعتقال الأطفال

مدير الدائرة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين المحامي اياد مسك عزا السبب في ارتفاع مستوى الاعتقالات في صفوف الأطفال مؤخراً إلى التغيير في الوضع السياسي أو الأمني في المدن الفلسطينيّة، إضافة إلى رفع الاحتلال مستوى العقوبة سواء في المحاكم العسكريّة أو المحاكم الأخرى في القدس المحتلة. ويأتي التغير الزمني في اعداد المعتقلين نتيجة احداث وتطورات ميدانيّة من انتفاضات وقرارات سياسيّة وغيرها.

وأوضح مسك أنّ هناك تغيرات قانونيّة حدثت مؤخراً في المحاكم الإسرائيلية، فمثلاً في موضوع الطفولة إذا اعتقل طفل فوق سن (14 سنة) يتم محاكمته في محاكم إسرائيليّة وتفرض عليه عقوبة السجن، لكن في المحاكم العسكريّة إذا كان الطفل أقل من (14 سنة) يوضع في السجن وتكون العقوبة كحد أعلى ستة اشهر.

ويحتجز الاحتلال حرية الأطفال الفلسطينيين من مختلف الفئات العمريّة وخاصة الفئة من 16- 17 سنة والتي تشكل (67.9%) من الأطفال المعتقلين في سجني “عوفر” و”مجدو” في الضفّة الغربيّة، وإلى جانب ذلك قد يتم محاكمتهم بالحبس المنزلي، أو الإبعاد عن منطقة السكن، إلى جانب فرض كفالات مالية وشخصيّة، وجميع هذه الأمور تمثل شروطاً تعجيزيّة بحسب المحامي مسك، وقد تدفع أهالي الأطفال في مرحلة من المراحل إلى أن يفضلوا قسراً أنْ يكون الطفل في السجن؛ لعدم استطاعتهم تحقيق هذه الشروط.

الفئات العمرية للأطفال المعتقلين
Infogram مصدر البيانات: هيئة شؤون الأسرى والمحررين

وخلال التّحقيق، قال مسك إن سلطات الاحتلال تحرم الأطفال الفلسطينيين من غالبيّة حقوقهم المتعارف عليها دولياً، أبرزها حق الإلتزام بالصمت، واستشارة محام خاص، والحق بوجود أحد أفراد العائلة خلال جلسة التّحقيق معه.

 منظمة إسرائيلية: حالات كثيرة من الأطفال تعرضت لعنف جسدي ولفظي

بعض منظمات المجتمع المدني في إسرائيل تتابع حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، و”أراضي عام 48″، ومن بينها منظمة “بيتسيلم” غير الحكوميّة والّتي قالت على لسان مدير البحث الميداني والناطق الإعلامي باسمها كريم جبران، إن العقوبات المفروضة على الأطفال الفلسطينيين غير قانونيّة ومبالغ فيها، وإن هناك زيادة بشكل مضطرد في عمليات اعتقال الأطفال الّتي لا يمكن حصرها؛ لأنّها متجددة.

وفي ما يتعلق باستخدام العنف وانتهاج التعذيب ضد الأطفال الفلسطينيين، أوضح جبران أنّ هناك توثيق من قبل المنظمة لحالات كثيرة من الأطفال تعرضت لعنف جسدي ولفظي خلال الاعتقال سواء في القدس المحتلة أو في الضفّة، فعملية التعذيب تبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال ويرافقها عنف من قبل المحققين والجنود الّذين يلعبون دوراً كبيراً في تخويف الأطفال من خلال العنف والتهديد، وبالتالي تسهيل عملية الحصول على اعترافات يتم انتزاعها بشكل غير قانوني.

وتوثق “بيتسيلم” الانتهاكات الّتي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيين، وتصدر تقاريراً للمنظمات الدوليّة لحقوق الإنسان، وكان أخر تقرير صدر عن المنظمة قبل نحو عام تطرق لعمليات اعتقال غير القانونيّة بحق أطفال فلسطينيين، دون مراعاة لأبسط الحقوق الّتي تكفلها المواثيق والقوانين الدوليّة لحماية الطفولة والّتي وقعت عليها إسرائيل.

 منظمات دوليّة توثق الانتهاكات بحق الأطفال وتحاول الحد منها

أظهرت دراسة لليونسف (منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة) صدرت عام 2013 أنّ هناك نمطاً من سوء المعاملة أثناء النقل والاحتجاز والتّحقيق مع المعتقلين الأطفال. كما تتضمن التوصيات عدم اعتقال الأطفال في الليل إلاّ في الظروف القصوى، وينبغي أن يتواجد محام أو أحد أفراد أسرة الطفل أثناء استجواب الأطفال.

وأوصت الدراسة “باعتماد تدابير تقضي بالتعامل مع الأطفال الفلسطينيين في السجون العسكريّة الإسرائيلية وفقا لاتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المعايير الدولية”.

وفي ذات السياق، قالت الحركة العالميّة للدفاع عن حقوق الأطفال (DCI) إنّها تتحرّك على صعيد الأمم المتحدة من خلال وحدة المناصرة الخاصة بها عن طريق توكيل طاقم محامين يتابع أمور الأطفال المعتقلين.

الـ (DCI) وهي المنسق لمنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الدوليّة الّتي تعنى بالطفولة تكتب تقاريرها الدوليّة للجهات المهتمة بقضايا حقوق الإنسان، وتوثق الانتهاكات الّتي يتعرض لها الأطفال خلال الاعتقال أو التّحقيق أو الاحتجاز، وتقول على لسان المحامية فرح دبابسي إن الحركة تهدف من تقاريرها اظهار الانتهاكات الّتي يتعرض لها الأطفال؛ في محاولة للتصدي لها ومواجهتها بكل الأدوات الممكنة والمتاحة سواء كانت أدوات قانونيّة أو مناصرة على الصعيد الدولي أو مناشدة كل الجهات المعنيّة لتشكل ضغطاً على المؤسسات الإسرائيلية للحد من هذه الانتهاكات.

وأشارت إلى أنّ الفترة الأخيرة شهدت تغيراً بالسياسة المتبعة من قبل الاحتلال تجاه الأطفال سواء من ناحية طريقة الاعتقال أو الأحكام المرتفعة بحق الأطفال، وتم لمس ذلك بوضوح من خلال الأعداد المرتفعة من الأطفال المعتقلين، وارتفاع حجم الانتهاكات الّتي نوثقها.

وبينت دبابسي أنّ الانتهاكات ضد الأطفال المعتقلين تشمل بالإضافة إلى العنف تجاوزات والتفاف على القوانين، واستغلال الاستثناءات في القانون كسياسة معتمدة، مضيفة: أنّه “للأسف الوثيقة الدوليّة لحماية الأطفال والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس لهما وزنا في المحكمة الإسرائيلية والعسكريّة”.

وبالرغم من كل الجهود الدوليّة الّتي تمارسها منظمات حقوق الإنسان وحتى الإسرائيليّة منها للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إلاّ أنّ العقل الأمني الإسرائيلي ما زال حتى هذه اللحظة لا يميز بين الأعمار ولا يتردّد بقمع الأطفال واعتقالهم دون مراعاة لحقوقهم والآثار النفسيّة الّتي تترتب على ذلك، فالطفل عيسى المعطي ليس وحده الضحية الأولى ولن يكون الأخيرة طالما أنّ الاحتلال لا يراعي المواثيق الدوليّة وحقوق الإنسان بما فيها حقوق الطفل.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *