“الشقاق والنزاع” المرأة دائماً منتصرة

Posted by

غسّان أبو لوز

بدت فكرة الحديث عن تلك الأيام مقلقة، فمجرد العودة بالذاكرة إلى تجربة مؤلمة أثارت توترها، وألمها؛ رغم محاولاتها لكبح تلك المشاعر. قالت “أرجوك ما بدي وجهي يطلع في المقابلة، و ما بدي حد يعرف صوتي”. راحت العشرينية سارة “اسم مستعار” تتحدث عن مخاوفها من أن يتعرف عليها أحد من معارفها أو جيرانها أو من سكان المنطقة. ثم صمتت لثوان و تابعت “إنت بتعرف كيف الناس هون، بدهم سيرة يلوكوا فيها، و أنا ماصدقت و خلصت من هالموضوع و ريحت راسي” واستدركت قائلة “مش بكفي إنه المطلقة ما بتركوها بحالها”.

غلبها الخوف وسرعان ما تراجعت عن الاتفاق بتصويرها، أو حتى تسجيل صوتها، غير أن رغبة ضيفتي كانت عكس ذلك.

أخذت نفسا عميقا، وراحت تتجول بعينيها في زوايا البيت كأنها تبحث عن بداية لحكايتها، ابتسمت ابتسامة حزينة، وعضت على شفتيها، ثم قالت وهي تحرك يديها في الهواء “كل شي صار بسرعة. الخطبة، والزواج، وحتى الانفصال صار بسرعة” واستدركت كأنها تذكرت شيئا “آه صح، كل شي صار بسرعة بس ما صار خلفه، والحمد لله إني ما خلفت كان وجعي صار أكبر”.

تسارعت وتيرة الأحداث، و بدأت القضية تتأزم أكثر فأكثر بين سارة وزوجها، لا سيما بعد أن عنفها جسديا، وبقيت مدة 5 أشهر في بيت أهلها من دون أن يحاول الإصلاح كما هو متعارف عليه في المجتمع، كانت سارة مصرّة على الانفصال، رغم محاولات المقربين من إقناعها وإقناع والدها بـ حلحلة الموضوع، غير أن سارة بقيت على موقفها، تقول سارة إن معضلة جديدة ظهرت حين اقتنع ولي أمرها بفكرة الطلاق حيث أنها لا تستطيع افتداء نفسها ورد المهر لزوجها كي “تخلعه” فالأوضاع المادية لأهلها لا تسعفها في هذا الخيار، فما كان منهم أن استقروا على رفع دعوى شقاق ونزاع بعد أن استشاروا محاميا مقربا منهم.

لم تكن سارة تعلم ماذا يعني الشقاق و النزاع، تقول إنها كانت تريد الانفصال بأي طريقة، تبين لاحقا لـ سارة أن دعوى الشقاق و النزاع “أريح طريقة قانوينة للخلاص من الزوج” على حد تعبيرها. رفعت سارة الدعوى وبدأت القضية في المحكمة الشرعية.

سارة واحدة من بين مايزيد عن “3500” من النساء اللواتي رفعن قضايا شقاق ونزاع خلال العام العام 2017، و هذه القضايا في تزايد مضطرد منذ تعديل قانون الأحوال الشخصية في العام 2010، وجاء تعديل المادة 126 من قانون الأحوال الشخصية بمثابة طوق نجاة لكثير من النساء لا سيما أولئك اللاتي لا يملكن القدرة على افتداء أنفسهن.

و بحسب قضاة شرعيين و محامين فإن المادة 126 وجدت لسبب جوهري و هو التخفيف عن المرأة في قضايا التفريق خصوصا التفريق بالشقاق و النزاع، و يقول مختصون إن القانون قبل التعديل لم يكن مرنا مع المرأة و إن خياراتها محدودة جدا في طلب التفريق كأن تلجأ للخلع الذي بات يسمى بـ الافتداء”، والخلع يطلب من المرأة إعادة الأموال والهدايا و ليس كل النساء بقدورهن تحمل هذه التكاليف.

و يفسر الشيخ الدكتور أشرف العمري المستشار في دائرة قاضي القضاة، لجوء الأطراف المتنازعة لـ الشقاق و النزاع لا سيما النساء، أن المادة القانونية المتعلقة في الشقاق و النزاع بسطت و سهلت طرق الإثبات، موضحا أنه مفهوم الشقاق و النزاع توسع في القانون بحيث تجاوز مفهوم الإيذاء المادي، ليشمل الإيذاء المعنوي و الإخلال بالحقوق و الواجبات الزوجية.

وشكلت مرونة المادة 126 من القانون سبيلا أسهل في اختيار نوع الطلاق، لا سيما بعد تخفيف عبء الإثبات على المرأة، و ترك السلطة التقديرية للقاضي في التحقق من الدعوى بشهادة الإسماع في دعاوى النساء.

و بيّن العمري أن ما كان يسمى بالخلع سابقا، و غير مسماه إلى الافتداء مراعاة للرجل و المرأة، كان يشكل ضررا ماديا على المرأة، و تنازلها عن كافة حقوقها، و كان هذا يشكل معضلة أمام السيدات غير الميسورات، فيما كن يصطدمن سابقا بإجراءات و بينات و إثباتات صعبة فيما يتعلق بالشقاق والنزاع.

و يتفق قانونيون مع العمري في أن تعديل المادة 126 من قانون الأحوال الشخصة، يسر و وفر على المرأة عناء عبء الإثبات في هذه القضايا، و الاكتفاء بالاستماع إلى دعواها، و الشهادة بالإسماع، و ترك السلطة التقديرية للقاضي.

و قالت المحامية الشرعية والناشطة في مجال حقوق المرأة إن عشرات الحالات التي تعاملت معها كانت تعاني من افتداء أنفسهن لقلة الحيلة، في حين كان من المستحيل عليهن إثبات الضرر الواقع عليهن من أزواجهن و إحضار شهود عيّان أو بالنظر، و هو ما كان يشترطه القانون قبل تعديلاته.

وبيّنت أن المرأة بعد تعديل القانون باتت قادرة على إحضار شهود “إسماع” يكونوا قد سمعوا بالمشكلة و يشهدون أمام القاضي، و بناءً عليه تثبت دعوى الشقاق و النزاع، و بيّنت أن القاضي في هذه الحالات يتحقق بنفسه.

كان الخلع آنذاك، أو الافتداء حاليا، خيارا مستحيلا لكثير من النساء، فـ سارة ليست وحدها من اختارت أن تلجأ للشقاق و النزاع، ثمة آلاف الحالات المشابهة، لكن أم ورد عانت كثيراً قبل تعديل قانون الأحوال الشخصية، و ما لبثت أن “تحررت” كما تقول من زوجها السابق بعدما “جاء الفرج” على حد تعبيرها. تصف العشرينية لحظة خروجها من المحكمة، “طلعت، دمعتي بعيني و نزلت على خدي، على باب المحكمة كان في نسمة هوا، حسيت ببرودة في وجهي بعدما مسحت دموعي، شفت الشمس، شفت الناس، ضليت ساكته ما حكيت و لا كلمة، روحت على البيت، و نمت بهدوء”.

ففي منطقة عين الباشا، كنت على موعد مع أم ورد، و مع سيدة أخرى تدعى وداد انفصلت عن زوجها. كلاهن اخترن التفريق بينهن و بين أزواجهن بالشقاق و النزاع.

لم تصدق أم ورد أن ثمة مخرجا أو منفذا قانونيا سيساعدها على الانفصال، فمعاناتها الطويلة قبل تعديلات القانون كانت في كيفية إحضار شهود عيان شاهدوا الخلافات بينها و ببين زوجها أو الأذى الذي كان يلحق بها على يديه. تغير الحال بعد إلغاء هذه الشروط المعقدة، وخففت عنها كثيرا كما تقول.

تصاعد في الطلاق و قضايا التفريق خصوصا “الشقاق والنزاع” بعد العام 2010

مضى على تصريحات قاضي القضاة السابق أحمد هليل نحو 8 سنوات حين خرج في مؤتمر صحافي ليتحدث عن قانون الأحوال الشخصية والتعديلات التي طالت القانون. أطل هليل وقتها عبر كاميرات الصحافة، والصحف والمواقع مخاطبا المجتمع الأردني قائلا “إن لقانون الأحوال الشخصية الذي أقره مجلس الوزراء أهمية بالغة كونه قانون المجتمع فهو يتعلق بالأسرة التي هي نواة المجتمع”.

بعد هذه السنوات خرج قاضي القضاة الحالي عبد الكريم الخصاونة في مؤتمر صحافي أيضا ليقول إن هناك تزايدا ملحوظا في حالات الطلاق، مشيرا إلى أن دائرة قاضي القضاة استحدثت مكاتب للإصلاح الأسري للعمل على تمكين الأسرة من تجنب الوقوع في النزاع والطلاق على وجه الخصوص ما أمكن، وإن لم يكن حل سوى الطلاق، فإنها تعمل مع الأسرة لأن لا يؤثر الطلاق سلبا على الأسرة.

تبقى الأسرة في المحصلة هي الهدف الأول من مساعي دائرة قاضي القضاة سواء في تعديلات قانون الأحوال الشخصية التي جاءت لحماية الأسرة، أو في مكاتب الإصلاح الأسري التي دشنت بعد القانون بتعديلاته الجديدة آنذاك، وهو ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة برأي قانونين خصوصا بعد تسجيل ارتفاعات عالية في حالات الطلاق خلال السنوات الأخيرة لا سيما بعد العام 2010 أي بعد إقرار مجلس الوزراء لتعديلات القانون.

نظرة سريعة على التقارير السنوية الصادرة من دائرة قاضي القضاة، تظهر الإحصاءات أرقاما وصفت بالصادمة في معدلات الطلاق وإن شهدت تلك الارقام ثباتا خلال الثلاث سنوات الأخيرة وفق ما صرح به قاضي القضاة الخصاونة، غير أنها بقيت ضمن معدلات عالية.

وفي نظرة فاحصة، في بيانات الطلاق والتفريق الواردة من دائرة قاضي القضاة، تظهر في قضايا التفريق ارتفاعا ومضطردا بدا ملفتا ويسجل قفزات في عدد حالات التفريق سنويا، فاحتل الشقاق والنزاع قائمة قضايا التفريق بين الزوجين، لا سيما بعد العام 2010.

قبل ذلك العام، كانت قضايا الشقاق والنزاع بالمئات وفق بيانات الدائرة، غير أنها تجاوزت ذلك لتصل إلى ما يزيد عن 1000 حالة في العام 2011 أي بعد عام على تعديلات قانون الأحوال الشخصية، لتشهد حالات الشقاق والنزاع ارتفاعات متتالية بلغت حتى العام 2017 مايزيد عن 3500 حالة.

 

قد لا تشكل هذه الأرقام فارقا مقارنة مع إجمالي حالات الطلاق في البلاد التي بلغت في العام المنصرم 20210 حالة طلاق، غير أن حسبة بسيطة تظهر أن نسب التفريق بداعي الشقاق والنزاع من إجمالي حالات الطلاق، تصاعدت بشكل لافت في نظر  المختصين والمعنين القانونين و شؤون الأسرة.

بيانات دائرة قاضي القضاة أظهرت أن نسبة الشقاق والنزاع ارتفعت بوتيرة ملحوظة منذ العام 2010 و لغاية العام 2017 حتى بلغت نحو 17% بمعدل 10% خلال السنوات الـ 7 الماضية. فيما سجلت حالات “الافتداء” تراجعا أمام الشقاق والنزاع في تلك الفترة.

 

رؤى واحدة من بين من لجأن إلى الخلع أو الافتداء، وتقول إنها “كانت تريد أن تنهي حياتها الزوجية بأي طريقة لأنها لا تطيق الحياة مع زوجها فردت له كل ما دفعه”.

وتنص المادة 12 الفقرة ب على أنه “إذا قامت الزوجة بعد الدخول أو الخلوة دعوى تطلب فيها التفريق بينها و بين زوجها وبينت بإقرار صريح منها أنها تبغض الحياة معه  وأنه لا سيبل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض وافتدت نفسها بالتنازل عن جميع حقوقها الزوجية وردت عليه الصداق الذي استلمته حاولت المحكمة الصلح بين الزوجين فإن لم تستطع أرسلت حكمين لمولاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما فإن لم يتم الصلح حكمت المحكمة بفسخ عقد الزواج بينهما”.

ويرى الشيخ الدكتور أشرف العمري مستشار دائرة قاضي القضاة، أن التفريق بالشقاق والنزاع لم يسهم في ارتفاع نسب الطلاق، معللا ذلك أن طريقة الذهاب بين الناس للطلاق هي التي اختلفت، ما يبرر ارتفاع أعداد قضايا الشقاق والنزاع في السنوات الأخيرة، مقارنة بـ”الافتداء” الذي شهد انخفاضا في القضايا المسجلة.

و قالت المحامية الشرعية و الناشطة في مجال حقوق المرأة إن عشرات الحالات التي تعاملت معها كانت تعاني من خيار الافتداء لقلة الحيلة، في حين كان من المستحيل عليهن إثبات الضرر الواقع عليهن من أزواجهن و إحضار شهود عيّان أو بالنظر، و هو ما كان يشترطه القانون قبل تعديلاته.

و بيّنت المغاسلة أن المرأة بعد تعديل القانون باتت قادرة على إحضار شهود “إسماع” يكونوا قد سمعوا بالمشكلة و يشهدون أمام القاضي، و بناءً عليه تثبت دعوى الشقاق و النزاع، و بيّنت أن القاضي في هذه الحالات يتحقق بنفسه.

وفي هذا السياق، تطرقت دراسة فقهية مقارنة بعنوان “حكم إثبات دعوى الشقاق والنزاع بشهادة التسامع في ضوء التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 2010” وأجريت العام 2016، و تهدف الدراسة إلى بيان حكم الشريعة الغسلامية في الاعتماد على شهادة التسامع في إثبات دعوى الشقاق والنزاع، كما نص على ذلك في التعديل الأخير على القانون، كما هدفت الدراسة إلى بيان ضوابط والشروط التي تنظم العمل بشهادة التسامع، وتقلل من المشكلات المترتبة على العمل بها.

وخرجت الدراسة بعدد من النتائج والتوصيات، و أكدت النتائج على أن الفقهاء اتفقوا على جواز الاعتماد على شهادة التسامع، وأن ما ذهب إليه قانون الأحوال الشخصية الأردني من جواز الاعتماد على شهادة التسامع في دعوى الشقاق والنزاع له أصل في أقوال الفقهاء، كما جاءت النتائج بأن الفقهاء وضعوا شروطاً لقبول شهادة التسامع، وبخاصة فقهاء المالكية، وفصّلوا في هذه الشروط، وبينوا كيفية أداء هذه الشهادة.

وخرجت الدراسة بعدة توصيات أبرزها بيان قانون الأحوال الشخصية الأردني ضوابط الشهادة بالتسامع، وشروطها، و كل ما يتعلق بها، لتفادي كثير من المشكلات التي من الممكن أن تترتب على سماع هذه الشهادة، كما أوصت الدراسة على أن ينص القانون على تحليف المشهود له كما نص على ذلك الفقهاء المالكية، لضعف هذه الشهادة.

جدل حول مخالفة المادة 126 لقاعدة المساواة بين الأردنيين 

و في حالات الرجال يرى قانونيون أن القاضي يبقى محايدا حتى يتبادر إلى قناعته أن هذا الزوج متضررا و يريد الطلاق.

و تشترط المادة 126 من القانون على الرجل أن يثبت كشرط أساسي، خلافا للزوجة، و هو ما يرى فيه مختصون شبهة دستورية و قد تشكل مخالفة للمادة السادسة، و التي تنص على أن الأردنيين سواء أمام القانون، ما يعني برأي مختصين تمييزاً بين الرجل و المرأة في هذا البند.

و ترى المحامية المغاسلة أنه الأصل في القضاء لا يوجد رجل أو إمرأة، إنما هناك مراكز قانونية، موضحة أن هناك مالك و مؤجر، و وزج و زوجة، و بناءً عليه سواء كان مدعي أو مدعى عليه الأصل التساوي في المراكز القانونية إلى حين إثبات العكس، و الأصل أن يحصل الإثنين على نفس مراحل التقاضي و البينة و الإثبات.

من جانبه يرد الشيخ الدكتور أشرف العمري المستشار في دائرة قاضي القضاة قائلا “لمن يطرح قضية المساواة، ويتساءل لماذا يعطى للمرأة الزوجة عدة طرق للطلاق فيما يمنح الزوج طريق أو طريقين، الجواب هو لأن الرجل يملك عقدة النكاح و هي لا تملكه”.

و يتفق العمري و المغاسلة على أن المادة 126 المتعلقة بالشقاق و النزاع منصفة، و يبرران ذلك بأنها تتماشى مع تطور الحياة في الأردن، و طريقة العيش، و يؤكدان أنها تحافظ على أسرار الحياة الزوجية، و تضمن حلولا لحالات يجب فيها الطلاق، و يجب المساهمة في التطليق. و ترى المغاسلة أنه أحيانا يكون الطلاق واجبا حماية للزوج أو الزوجة و الأطفال.

ويتفق القاضي الشرعي عبد الله الدعجة في محكمة الزرقاء الشرعية، و أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن ثمة تجرأً نسائي على قيود المجتمع، وأن السيدات أصبحن يملكن قرارا لطالما كان مرتبطا بالعائلة الممتدة، وليس بيد المرأة وحدها.

وأوضح الدعجة والخزاعي أن المحافظات الكبرى والمدن المكتظة تختلف عن تلك النائية في الأطراف والمحافظات البعيدة، وتشهد ارتفاعا في إقبال النساء على طلب الطلاق عن طريق الشقاق والنزاع أو حتى الخلع، وعللا ذلك بالعادات والتقاليد التي مازلت تتحكم بتلك المجتمعات البعيدة.

مؤشرات إحصائية: تغيّر في ثقافة التحمل والمطلقات الأكثر زواجا

من جانبه قال المستشار العمري إن مؤشرات الزواج حسب البيانات السنوية تشير إلى نوع من التغيير في نظرة المجتمع نحو مفهوم الطلاق، و إن هناك تقبلا للطلاق على اعتباره حلا وأمرا شرعيا وقانونيا مقبولا وحق من حقوق الإنسان.

وبيّن العمري أن البيانات أظهرت تغييرا واضحا في فرص المطلقة من الزواج للمرة الثانية، مشيرا إلى أن المؤشرات إلى أن الزواج الثاني للنساء المطلقات سجلت أعلى بنسبة بلغت 18% من زواج العام الماضي، مقارنة بالزواج للمرة الثانية للرجال المطلقين بـ 15% من نفس العام.

و أكد القاضي الدعجة أن حالات كثيرة لنساء طلبن التفريق لدواعي غير مقنعة، ويرى أن الأسباب ليست كافية بأن تتجه المرأة إلى خيار حل الرابطة الزوجية لمجرد أن بعضهن لا تعجبها المعيشة مع زوجها على سبيل المثال لا الحصر يؤكد القاضي، فيما يرى حسب الدعاوى التي ينظر فيها أن حالات كثيرة يكون الأذى فيها مستحكما و لا مجال للصلح و الضرر واقع عليها.

وذهب الدعجة إلى أبعد من هذا ووصف لجوء نساء إلى حقهن بطلب الطلاق بالتعسف في استعمال هذا الحق القانوني.

من جانبه يرى الخزاعي أن نسب النساء المطلقات المتزوجات للمرة الثانية، مقارنة بـنسب الرجال المطلقين المتزوجين للمرة الثانية العام الماضي، مثيرة وملفته، ويقول إن هذا يعكس تغيّراً في النظرة المجتمعية حول الزواج من المطلقات.

ويوضح أن هذه القراءة تشير إلى تغيّر في مفاهيم وثقافة المجتمع، مشيرا إلى أن اتهام المرأة بأنها المسؤولة الأولى عن الطلاق بات يأخذ شكلا آخر، وبيّن أن المجتمع توارث ثقافة ما سماها “بثقافة التحمل”، أي أن على المرأة أو الفتاة المقبلة على الزواج تحمل مصيرها وألا تعود مطلقة لبيت أهلها.

ويضيف الخزاعي أسباباً أخرى تقف وراء ارتفاع حالات الانفصال لا سيما فيما يتعلق بطلب المرأة للطلاق، وقال إن تحول المرأة إلى شريك أساسي في الحياة الاقتصادية، وقدرتها على العمل والانتاج، شجع السيدات على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالحياة الزوجية لشعورهن على قدرتهن إعالة أنفسهن، إضافة إلى ارتفاع نسب التعلم بين الفتيات في المجتمع، ما خلق حالة من الثقة بالنفس لديهن بشكل أكبر من السابق.

مازالت سارة قلقة حتى كتابة هذا التقرير ومن نشر صورها أو صوتها، في كل مرّة كنت أطمئنها و أدعوها بألا تقلق، لتعود و تكرر في كل مرّة سبب قلقها قائلة “ما بدي حد يعرفني، ما صدقت و الناس نسيت قصتي”. سألت سارة لماذا كل هذا القلق من الناس و أنتِ اخترتِ الانفصال بملء إرادتكِ و قاتلتي من أجل ذلك؟ ليأتي الجواب الناس ما بترحم. و نظرة الناس للمطلقة معيبة دائما، تستدرك قائلة المهم أني استطعت الخروج من هذه العباءة، عباءة العادات و التقاليد و المجتمع الذي لا يرحم، و تمردت على هذا الواقع الظالم أكثر من ظلم زوج متسلط.

رؤى، ووداد، وأم ورد أجمعن هن الأخريات على أنهن اخترن الطريق الصواب، وأنهن واجهن نظرة مجتمعية، وألسنة الناس، عبارة واحدة اتفقن عليها بدت وكأنها خرجت من مدرسة واحدة “الناس ما رح تحس في النار إلى إحنا عيشين فيها”، فليقل الناس وليتقولوا هذه حياتنا نحن من نقررها.

وتروي كل واحدة منهن أنهن واجهن ضغطا من محيطهن لثنيهن عن قرارهن بالإنفصال، و كان السلاح الذي يشهره الناس في وجوههن هو أنك ستصبحين “مطلقة”، فما كان من وداد مثلا إلا أن ردت على تلك السهام “أنا لن أتراجع عن قراري لأجل الناس”، فيما قالت رؤى إنها “واجهت ضغطا نفسيا من المجتمع، خصوصا أن عمري 30 سنة، و كانت أصعب شيء حين كان يقال لي أنك ِ كبيرة في العمر و لا مجال لديك ِ إذا تطلقتي أن تختاري أحدا غيره” ، و تابعت “خلص أخدت القرار، و قلت إذا تزوجت و أنا مش مرتاحة و حياتي الزوجية سيئة مين رح يوقف معي، كلهم رح يديروا ظهورهم، بالآخر بديت مصلحتي و أخدت القرار و ضليت قوية”.

أما أم ورد فترد قائلة “الحرية إلي حسيت فيها و الراحة إلي عشتها بعد الطلاق، ما رح تخليني اهتم بكلام الناس، يحكوا إلي يحكوه، هذي حياتي مش حياتهم، وين كانوا بس كنت عايشه في العذاب إلي أنا فيه، الناس ما بترحم، و أنا ما بهمني الناس”.

و عند سؤال هذه الحالات حول نصيحتهن للفتيات المقبلات على الزواج، أو المتزوجات اللواتي يعشن حياة تعيسة و ظالمة مع أزواجهن؟ وجهن كلاما لم يخل من نشوة الارتياح و الاستقلالية، النصيحة هي ألا يسكتن على الأذى، و وجهن دعوة لكل النساء أن يخرجن أنفسهن من عقد المجتمع، و أن يتحدين كل المعوقات.

و اعتبرت الحالات أن أكبر القيود تفرضها السيدة على نفسها، و أن لا يلقين بالا لمجتمع معقد و سيء على حد وصفهن. فيما أكدن أن كل سيدة قادرة على مواجهة هذه التحديات، و العيش بكرامة بعد الانفصال، و التركيز على مستقبلها و أولادها بدلا من الاستسلام للصورة النمطية التي تؤطر النسوة المطلقات بإطار العار، لما لهذه النظرة من أثر نفسي صعب عليهن، و امتهان لكرامتهن.

 

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *