الصحافة المحليّة حريّة عالقة تحت أسقف متعددة

Posted by

بسنت زيدان / دانية بطاينة

تعدّ الصحافة تجسيدا لمعاني الحريّات، وتطبيقًا مهنيًّا لمبدأ الديمقراطية كما أنها ومنذ بداية عهدها عملت على ترسيخ التواصل والاتصال والتنوير والتوعية، إضافة إلى دورها الكبير في تحقيق أهدافها الساميّة كنقل الحقائق والوقائع من الجمهور المتلقي وإليه، والتركيز على المشاكل والتحديات  التي يواجهها الإنسان الأردنيّ والمجتمعات بثقافاتها المختلفة منذ نشأة الدولة الأردنية، عملت الصحافة المحليّة على تجسيد معاني الحريّات وخصوصها الإعلامية التي دعا إليها جلالة الملك عبدالله الثاني مرارا بأن سقفها السماء، ويقول نضال منصور مدير مركز حماية وحرية الصحفيين إنه يجب أن لا يكون هناك حدود لحرية الإعلام إلا الإلتزام بالحقيقة والموضوعية والدقة في عرض ومعالجة مختلف الآراء وكل المعايير المهنيّة.

لكنّ وعند قراءة المشهد الإعلامي في الأردن ككل ، فالواقع مخالف تماما، والحريات باتت مقيّدة تحت أسقف كثيرة، منها قانونيّ كالتشريعات الناظمة للعمل الصحفي مثل قانون المطبوعات والنشر وتعديلاته، والإعلام المرئي والمسموع ومؤخرا قانون الجرائم الإلكترونية الصادر عام 2015، وبعضها سياسات تحريريّة للمؤسسات والصحف والمجلات التي تمنع العاملين لديها من نشر المواد المخالفة لرؤيتهم أو لرؤية داعميها، وأخرى بسبب عدم وجود جهات حامية للصحفيّ المستقل أو عدم قدرة ممارسي مهنة الإعلام من الإنتماء تحت مظلتها، كنقابة الصحفيين التي تضم 1375 صحفيّا أردنيا فقط، وتحرم آخرين من ضمانات قد تؤمن لهم حقهم في الحصول على المعلومات من مصادرها.

فرص عمل محدودة .. وطاردة

تعتبر فرص العمل في مجال الصحافة المحليّة محدودة إلى حد ما، إذ يوجد عدد محدود من الوظائف المتاحة في وسائل الإعلام المختلفة، مثل الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة، هذا يعود جزئياً إلى قيود الموارد المالية والإعلامية التي تواجهها العديد من المؤسسات الإعلامية في البلاد.

علاوة على ذلك، تنافسية مجال الصحافة في الأردن عالية، يوجد عدد كبير من الخريجين الذين يتنافسون على فرص العمل المحدودة المتاحة، إذ يحتاج المرشحون إلى مهارات قوية في الكتابة والتحرير والبحث والتحليل، بالإضافة إلى القدرة على العمل تحت ضغط وفي بيئة سريعة التغير.

لذا قد يجد بعض الصحفيين في الأردن أنفسهم يعملون في وظائف ذات رواتب منخفضة، خاصة في البداية، ليصبح العمل الحر والكتابة المستقلة خيارًا شائعًا لبعضهم عبر القيام بتقديم مقالات وتقارير بمقابل مادي، من جهتها تقول شفاء القضاة الصحفية المستقلة، أن النقابة لا تعترف بوجود صحفيين مستقليين بالأردن رغم توجه العالم إلى هذا النوع من العمل الصحفي، وتضيف القضاة أن العمل ضمن مؤسسات إعلامية محلية في الأردن قد يصعّب تغطية جميع القضايا التي تمسّ الشارع الأردني بسبب الحرية المحدودة ووجود بعض القيود والتحفظات التحريرية التي تؤثر على قرارنا كصحفيين في الانضمام إلى مؤسسات إعلامية محلية أو رسمية إضافة إلى ظروف العمل فيها وخطها التحريري الذي يتبنى الرواية الواحدة.

وتقول الصحفية المستقلة بديعة الصوان إن العمل الصحفي المستقل يشكّل عبئا إذ لا تكون المهام موزعة، فبعض المؤسسات تطلب من الصحفي المستقل أن يكون شاملا، إضافة إلى الحدود المهنية التي قد يتعرض لها عند انتسابه إلى إحدى المؤسسات إضافة إلى بيئة العمل غير الصديقة للصحفي المستقل نتيجة عدم وجود ثبات أو استدامة مادية.

يُناقش هذا البودكاست حالة تعددية الأسقف للصحافة في الأردن، وغياب التشريعات الناظمة للعمل الصحفي المستقل، مما يعززّ تقييد حرياتهم وعدم استقلاليتهم .. أو ربما هروبهم من البيئة الصحفية المحليّة وتعميم القصص والابتعاد عمّا يمسّ تلك الأسقف.

جدلية الصحافة الحرّة والمقيّدة!

يعمل الكثير من الصحفيون بشكل مستقل دون اتبّاع مؤسسة صحفية مرخصة او الإنتساب لنقابة الصحفيين لضمان حقوقهم في ممارسة المهنة والحصول على المعلومة والتعبير عن أفكارهم، ولو كانوا باعتبار البعض دخلاء على المهنة، فهم في الواقع يقومون بالعمل على تقارير معمقة واستقصائية حول قضايا مجتمعيّة وإنسانية تمسّ الشارع وتلقى رواجا، لكنّهم يواجهوا أعباءًا مضاعفة وعقبات تتزايد في ظل عملهم بشكل فردي أو دون إيجاد مظلة قانونية لهم.

عموما ترتبط الصحافة المستقلة بالحريات الإعلامية فهي تعمل على نقل الحقيقة وكشف الفساد بشكل موضوعي وشفاف وعادل،لكنّ ممارسيها يتعرضون لعراقيل تعترض ممارساتهم المهنيّة الحرة، وتحدّ من إمكانياتهم في النشر أو صناعة المحتوى لأسباب تتعلق بالرقابة الذاتية أو الخوف من التشريعات التي لا تنظم عملهم كممارسي للمهنة دون انتساب للنقابة.

وحول القوانين والتشريعات الإعلامية قابلنا المحامي بلال الحياري الذي يصف القيود القانونية لممارسي المهنة الصحفية بأنها تتفاوت من بلد لآخر وتتأثر بشكل كبير بالنظام السياسي المعمول فيه، لكنّ بعضها يفرض قيودا وحواجز تحدد عمل الصحفي الحر، كقوانين الشرف والذمة المتعلقة في حماية السمعة والكرامة الشخصية للافراد.

كما يجب على الصحفيين عموما الامتناع عن نشر البيانات أو المعلومات التي قد تُلحق الضرر بالأفراد أو المؤسسات، بسبب حظر التشريعات لنشر المعلومات السرية وعدم الكشف عن المستندات غير المصرح الإعلان عنها،ومن الضروري أن يحترم الصحفي قرارات منع النشر في بعض القضايا العامة التي قد تُثير النعرّات أو تسبب فتنة سياسية أو طائفية أو حتّى فئوية ومراعاة المصلحة العامة والأمن الوطني.

ومن جهته دعا الحياري إلى ضرورة توفير مساحات آمنة وحريات كافية تشمل جميع الصحفيين والإعلاميين في الأردن، وهذا قد يستلزم إعادة النظر بشكل شمولي وجمعي لكافة القوانين والتشريعات الناظمة للعمل الصحفي المنتظم والحر كذلك.

وأشار الحياري إلى أهمية الدراية المعلوماتية والمعرفة الدقيقة بالتشريعات القانونية الخاصة بالشأن الإعلامي  لدى كافة الصحفيين لضمان سلامة الصحفيين والمحافظة على حرياتهم بغض النظر عن المؤسسة العاملين لديها.

ودعا نضال منصور مدير مركز حماية وحرية الصحفيين إلى ضرورة حفاظ المؤسسات الصحفية المستقلة على استقلاليتها وأن تكرّس عملا مهنيّا محترفا يخلّصها من الضغوط والقيود عبر محاولاتها في أن تكون خلّاقة في إيجاد موارد تساعدها على تطوير محتوى ومنتجها الإعلامي.

الأردن يتراجع 26 مرتبة في تصنيف حرية الصحافة!

أما محليًّا فالأردن تراجع 26 مرتبة عام 2023 في تصنيف حرية الصحافة العالمية مقارنة في العام الماضي، إذ كان في المرتبة 120 واليوم هو في المرتبة 146، ويرجع التقرير السبب في عدم تحقيق الاستقلالية المالية والإدارية في المؤسسات الإعلامية، التي جعلت الإعلام في قبضات جهات دون أخرى،  كما عززت السلطات رقابتها على تدفق المعلومات خاصة على شبكة الانترنت.

ويشير التقرير إلى أن نشر تدوينات على المواقع الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي قد تؤدي بك إلى منع النشر أو التوقيف أو حتى الاعتقال وبذرائع أمنية، ليمثلون أمام القضاء ودفعهم لمبالغ تخليصية أو لأجل الكفالة أو التعويض مما يكبدهم خسائر كبيرة، وذلك باعتبار أن وسائل الإعلام تكافح بكل قواها من أجل الاستمرار.

200 ممارس لمهنة الصحافة يرفضون التقييد

شكاوى قضائية وحالات توقيف متزايدة لأسباب قانونية وأخرى غير معروفة بحق ممارسي مهنة الإعلام، ليتجدد معها المطالبات بضرورة الإسراع في تعديل القوانين والتشريعات التي تقيّد الحريات أو تمنعها، أو تعتبر مدخلا للسماح أو تبرير التوقيف والاعتقال في قضايا اعلامية مختلفة، وبناء على ذلك فقد وقع أكثر من 200 صحفي وعامل في مجال الإعلام على بيان يندد بتزايد حالات حجز الحريات الصحفيّة نتيجة إصدار قانون الجرائم الإلكترونية، إضافة إلى أوامر الدفاع التي صدرت مع جائحة أزمة كورونا والتي منح الحكومات صلاحيات أكبر للتأثير على ملامح الحريّة كافة وليست حرية الصحافة فقط، معتبرين ما يحدث حملة منظمة تستهدف ترهيبهم ودفعهم للسكوت عبر تضييق حريتهم بالتعبير، ويبيّن هذا الجدول الزمني، تسلسل لأبرز الأحداث والقضايا التي شغلت الرأي الأردني نتيجة تعرّض صحفيين لإنتهاك قانونيّ أو اعتداء على ممارسته لمهنته بحريّة عبر المنع أو التوقيف.

من جهتها قالت الصحفية في الغد غادة الشيخ إن حالة الحريّات الإعلامية في الأردن متغيّرة نتيجة الظروف المحيطة في البلاد، فقبل إصدار قانون الجرائم الإلكترونية كان سقف المحتوى الإعلامي أعلى مما هو عليه الآن نتيجة القيود التي فرضها القانون إضافة إلى الأبعاد السياسية المختلفة ويبيّن الرسم البياني عدد الشكاوى المتعلقة بالمادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية التي احتملت صحفيين وكتاب وناشري محتوى على المنصات المختلفة خلال سنوات من إقراره:

واظهر التقرير الصادر عن مركز حماية وحرية الصحفيين المتعلق بحرية الاعلام في الاردن العام الماضي تراجعا في مؤشر حرية الاعلام في الاردن عن السنوات الماضية، إذ جاءت النتيجة ضمن تصنيف حرية مقيدة، في وقت تشهد فيه الصحافة الاردنية تراجعا في مساحة الإنتشار وأزمات مالية متراكمة لا يمكن حلّها بفرض قيود أو أعباء ومشقات مالية ضد الصحفيين، ويشير منصور إلى أن البيئة الإعلامية في الأردن تشكّل سياقا مقيدا للعمل الصحفي، وهو يحدث منذ سنوات.

ويضيف منصور إلى أن ودى وعي ودراية الصحفي قد يساعده على تجاوز “حقول الألغام” المحيطة بعمله، كالتشريعات والضغوطات والأنظمة والسياسات، وبذات الوقت لا بد من المعرفة القانونية والإلمام بكيفية الكتابة بشكل آمن دون الوقوع في محارم القانون.

واقع حرية الصحافة في الاردن

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *