المفاعل النووي

Posted by

كيف تغير مسار المشروع على مدار عقد ونصف

عمان- حنان خندقجي

فيلم قصير حول المشرو غ النووي

 https://www.youtube.com/watch?v=00hVqJABJu4

نظرة داخل قاعة مفاعل البحوث والتدريب الأردني، صورة نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

مطلع القرن الماضي كانت أمريكا، وروسيا، وعدد من دول أوروبا على قوائم الدول التي تسعى لإمتلاك المفاعلات النووية لغايات استخدامها في صناعة الأسلحة والقنابل الذرية، بعد ذلك وجدت هذه الدول أن هناك ترف في مادة اليورانيوم فكان خيارهم الإتجاه إلى الإستفادة منها بتوليد الكهرباء، روسيا كانت أول دولة في العالم قد قامت بهذه التجربة من خلال إنشاء مفاعل نووي لكل مدينة يسكن بها نصف مليون مواطن، على أن يقوم هذا المفاعل بتغطية ما يقارب 10-20% من إحتياج هذه المدن، يشرح مدير موقع محطة الطاقة النووية السابق الدكتور كمال خضير.

المخطط الزمني للمشروع النووي.

أواخر شهر أيار من العام الحالي يصل نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية هوا ليو إلى مشروع استخراج اليورانيوم في منطقة وسط الأردن، والمنفذ من خلال شركة تعدين اليورانيوم الأردنية، ويشيد في المستوى المتقدم من الإنجاز في مجال استكشاف وتعدين اليورانيوم، ويقول في كلمة له ” يعد مشروع اليورانيوم الأردني نموذجا للمشاريع التعدينية في المنطقة”، وقد مر بتسلسل زمني مبني على منهجية علمية واضحة للوصول إلى استخلاص اليورانيوم من الخام.

قبل هذه الزيارة بأشهر كانت شركة تعدين اليورانيوم الأردنية قد أعلنت عن نجاح تشغيل مصنعها الريادي لإنتاج الكعكة الصفراء من الخام الأردني، وإنتاجه لما يقرب 20 كيلو غراما من الكعكة الصفراء بكفاءة عالية بعد معالجة 160 طنا من خام اليورانيوم الموجود في منطقة وسط الأردن.

على مدار السنوات الماضية تغير مسار المشروع النووي لأكثر من مرة، فكيف تحولت الفكرة من بناء مفاعل نووي للوصول إلى بناء مصنع ينتج الكعكة الصفراء.

قصة المفاعل في سطور…

عام 2007 تتسرب أخبار صحفية من سلطة المصادر الطبيعية عن إمكانية الاستثمار في خامات اليورانيوم بالمملكة، كان الهدف بناء محطة نووية واحدة متوسطة الحجم بقوة 400 ميجا واط، وبكلفة ما يقرب المليار دينار أردني.  

منتصف شهر أيار لعام 2008، زفت الحكومة بشرى للأردنيين عن قرب توقيع اتفاقية مع شركة فرنسية لإنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية، وأنه قد تم إنتهاء المفاوضات مع شركات متعددة من بريطانيا، وكندا، وفرنسا، قدمت عروضا لبناء مفاعل نووي لأغراض إنتاج الطاقة. 

في ذات العام كان الأردن وقع مع باريس اتفاقية تعاون نووي، وحظي آنذاك بدعم من وكالة الطاقة الذرية لاستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية، كما اتخذت المملكة خطوات تنفيذية على خطى إنشاء المفاعل من خلال إنشاء هيئة للطاقة النووية برئاسة الدكتور خالد طوقان.

 كان يتم تدعيم فكرة المفاعل النووي من خلال نشر دراسات حكومية مبنية على دراسات دولية تؤكد أن احتياطي الأردن من اليورانيوم يقدر بنحو 180 ألف طن، حينها كان يصل سعر الكيلو الغرام الواحد بنحو ثلاثمائة دولار، وبعد سنوات من الإنخفاض إلى ما دون الستين دولار، وفي ذات الوقت كانت ترد في تصريحات لبعض المسؤولين أن المفاعل النووي يمكنه إنتاج ألف ميغا واط من الكهرباء سنويا. 

اليورانيوم يشيع الأمل بين الأردنيين

بالتزامن مع نشر هذه الأخبار، يخرج رئيس الوزراء في ذات التوقيت نادر الذهبي ليكشف لرئيس وأعضاء مجلس الاعيان ان احتياطي الأردن من اليورانيوم يصل الى 70 الف طن، ويعلن  أن هذا الرقم غير ثابت، وهو مرشح للزيادة، وأن القيمة السوقية لهذا المنتج تصل إلى ما يقرب 7 مليارات، وبين أن الحكومة تعجل بالإسراع في في استخراج اليورانيوم، ونوه إلى إنشاء أول منجم للتعدين عن اليورانيوم سيكون خلال عام 2008، متوقعا أن يبدأ الإنتاج الأولي خلال عام 2012. 

كذلك فإن مسؤول المشروع الدكتور خالد طوقان خرج إلى وسائل الإعلام وأعلن  وفق دراسة قام بإعدادها أن منطقة وسط المملكة شهدت اكتشافات لليورانيوم، فيما يحتوي الفوسفات الأردني على ما نسبته 8% من هذا المعدن، وبالتالي فإن جدوى الاستثمار في هذا المشروع مربحة بشكل مدروس، ويجب البدء بإنتاج ما يعرف “بالكعكة الصفراء”، بالتزامن مع تعدين اليورانيوم، وهنا أشيع الأمل بالمملكة، عن قرب توفر موردا كبيرا لدعم خزينة الدولة، لكن سرعان ما بدأت هذه التصريحات تختلف من مكان إلى أخر.

25/11/2007 أعلن الدكتور طوقان عن  توفر اليورانيوم بنحو 80 ألف طن مع وجود حوالي 100 ألف طن من اليورانيوم في الفوسفات الأردني ليصل المجموع  إلى 180 الف طن، ثم ما لبثت أن زادت الكميات في تصريح لصحيفة الدستور الصادرة في 27/9/2008 حيث أصبحت الكميات المتواجدة في منطقة الوسط حالياً بـ 70 الف طن مع إحتياطي في الفوسفات بـ 140 الف طن ليكون المجموع 210 الف طن.

أرتكزت استراتيجية المشروع النووي كما روج لها على وجود احتياطي هائل من مخزون اليورانيوم، والذي سيساعد على رفد خزينة الدولة، ويعطي المملكة استقلالية في توليد الطاقة، ويمول بناء المفاعلات النووية، بالتزامن مع حل أزمة الطاقة والمياه في المملكة. 

لكن خلال العمل على هذا التقرير أستطعنا الحصول على ملخص كتب من قبل عاملين سابقين على إدارة هذا الملف ” مرفق صورة عن التقرير”، يؤكدون أنه بعد سنوات من العمل الميداني، والتحاليل المخبرية، وعشرات الآلاف من القياسات، قدرت شركة أريفا الفرنسية والتي تم الاستعانة بها لدراسة كميات اليورانيوم في المملكة، وعقدت إتفاقية مع الهيئة من أجل إنشاء الشركة الفرنسية الأردنية، وعلى أن تتكفل الشركة بكافة المصاريف التشغيلية لإستخراج اليورانيوم، خلصت إلى تموضع الكميات، وبتراكيز رديئة جدا، وبحسب ما ورد في الملخص، فإن الهيئة استعانت بشركات تدقيق كطرف ثالث لإعادة الحسابات، ولكن نتائجها كانت أيضا مخيبة للآمال ولم تجد طن يورانيوم واحد بحسب تراكيز الهيئة المعلنة (500 جزء بالمليون، أو حتى  250 جزء بالمليون حسب الاتفاقية مع التراكيز المطلوبة للبدء بإجراء دراسة جدوى إقتصادية، ولحقت بذلك بشركة ريوتنتو، وشركة ساينويو اللواتي انسحبن قبلها بسنوات. 

فقد خلص  أحد التقارير التابع لشركة ريو تنتو الأسترالية والمتخصصة في استكشاف اليورانيوم بعد دراسة في المملكة، أنه لغاية تشغيل اقتصادي إفتراضي للمنجم فإنه تعتبر تراكيز اليورانيوم الأقل من 250 جزء بالمليون  سالبة، كذلك فإنه يجب أن يكون هناك تطوير مستقبلي لتقنيات استخراج الخامات قليلة التركيز كالموجودة في مناطق الاختصاص، ويجب افتراض ارتفاع مستقبلي لأسعار اليورانيوم، وهذا ما جعل الشركة تنسحب لعدم ثبوت وجود جدوى إقتصادية لهذا المشروع، بالعمل على تعدين اليورانيوم، وتوليد الكهرباء. 

لكن اليوم يحقق الأردن دون مشروع نووي طفرة في إنتاج الكهرباء، فوفق ما أعلنت عنه هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، فيوجد ثماني شركات مرخصة من قبل الهيئة لتوليد الطاقة الكهربائية من المصادر التقليدية منها (غاز، بخار، ديزل، صخر زيتي)، حيث وصلت الاستطاعة الكلية للنظام الكهربائي في المملكة نهاية عام 2022 حوالي 4429 ميجا واط مقارنة مع 3950 ميجاواط وفي عام 2021 بنسبة 12.1%، وهذا ما يساعد قطاع الكهرباء على مواجهة نسب النمو المتوقعة في الطلب على الطاقة الكهربائية.

النووي قيد الدراسة.. 

قبل 15 عاما أنشئت هيئة الطاقة الذرية الأردنية، وبموجب قانون الطاقة النووية رقم (42) لعام 2007 وتعديلاته،  وذلك تنفيذاً للإستراتيجية الوطنية للطاقة النووية وفق ما يظهره الموقع الإلكتروني الخاص بالمشروع، وذلك بهدف نقل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وتكنولوجيا الإشعاع إلى المملكة وتطوير استخدامها لتوليد الكهرباء وتحلية المياه وفي المجالات والتطبيقات النووية الأخرى، ولتحقيق هذه الأهداف، فإن استراتيجية الهيئة تتضمن إنشاء المفاعلات النووية واستغلال اليورانيوم الأردني لتوفير بدائل الطاقة ومصادر المياه، في حين أن البرنامج النووي الأردني كان يتكون من ثلاثة محاور أساسية:

  • مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وإزالة ملوحة المياه باستخدام المفاعلات النووية.
  • مشروع استغلال الثروات النووية الطبيعية الموجودة في الأردن وعلى رأسها اليورانيوم.
  • بناء وتطوير القدرات والكوادر البشرية الأردنية المؤهلة.

جاء إنشاء الهيئة الذرية الأردنية، خلفا لهيئة الطاقة النووية، وحينها تم الإعلان عن أضخم مشروع نووي في منطقة الشرق الأوسط، فالغاية بناء أربع محطات نووية، وبقدرة 1000-1300 ميجا واط لكل محطة، وذلك من أجل توليد ما يقرب 30% من استطاعة شبكة الكهرباء الوطنية، وتحويل وسد العجز المتفاقم الذي تعاني منه المملكة في قطاع المياه، وبكلفة تصل إلى 5 مليار دولار للمحطة الواحدة. 

كذلك تم الإعلان عن بناء مفاعل نووي لغايات البحوث والتدريب، في جامعة العلوم والتكنولوجيا، بغرض إنتاج النظائر المشعة التي تستخدم في الطب والزراعة، وتدريب القوى البشرية، في حين أن مجموع ما يستهلكه الأردن من هذه المواد هو أقل من مليون دينار في السنة.

وبحسب البيان الذي نشرته هيئة الطاقة الذرية منتصف عام 2018 فإن مجموع ما انفق على البرنامج النووي الأردني خلال الأعوام 2008- 2017 بلغ حوالي 112 مليون دينار منها 56 مليونا انفقت على المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب المقام في جامعة العلوم والتكنولوجيا.


وذكرت الهيئة في البيان أن المبلغ توزع بواقع 56 مليون دينار دفعت على المفاعل النووي الأردني للبحث والتدريب، فيما أنفق 4.688 ملايين على مركز السنكروترون في البلقاء، و8.76 مليون دينار على استكشاف وتعدين خامات اليورانيوم، وأنفق ما يقرب 1.223 مليون على  المنظومة الأردنية دون الحرجة، وكان لتطوير الكوادر البشرية نصيب اذا انفق ما يقرب والبعثات والمنح الدراسية 1.688  مليون دينار، والوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية 659 الف دينار، يأتي ذلك بالتزامن مع حصول الهيئة على قرض ميسر بقيمة 70 مليون دولار من خلال بنك الاستيراد والتصدير الكوري، للمساهمة في تنفيذ مشروع إنشاء المفاعل البحثي الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 130 مليون دولار، ويعد هذا القرض الأكبر قيمة من حيث القروض الميسرة المقدمة للمملكة، وبفائدة بلغت 2 بالعشرة بالمئة وفترة سماح مدتها 10 أعوام، فيما تصل فترة السداد إلى 30 عاما.

ووفق البيان المنشور، فإن نسبة كبيرة من المصروفات جاءت على شكل نفقات دفعت على الاستشارات والخبرات الأردنية المتوفرة محليا والمواد والمستلزمات الموجودة في السوق المحلي، كما يظهر الرسم البياني توزيع ما تم إنفاقه على البرنامج النووي منذ عام 2008-2017. 

بعد الحصول على القرض الكوري، انشغلت الهيئة ببناء وتركيب وتشغيل المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب، والذي أقيم في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وتم افتتاحه تحت الرعاية الملكية السامية نهاية عام 2016، لكن ماذا كان مصير المفاعل النووي؟ 

أعيد إحياء فكرة المحطة النووية بعد أن دخلت روسيا على خطوط المشاورات مع رئيس مجلس هيئة الطاقة الذرية الأردنية، الدكتور خالد طوقان عام 2013 وتم توقيع الاتفاقية عام 2014، حينها قامت الشركة الروسية بالدراسات التفصيلية لملاءمة وتوصيف موقع المحطة النووية في منطقة قصر عمرة ودراسة الأثر البيئي للمشروع والتي تضمنت دراسة الموقع المزمع إنشاء المحطة النووية عليه والمنطقة المحيطة به من جميع النواحي الجيولوجية والبركانية والزلزالية والسكانية والبيئية وغيرها، وانتهت المرحلة الأولى من الدراسة، وفق ما يقوله مدير موقع محطة الطاقة النووية السابق الدكتور كمال خضير، والذي عمل لسنوات داخل هيئة الطاقة الذرية وخرج منها بعد قناعة ترسخت له بعدم جدوى هذا المشروع.

ويضيف خضير” في ذلك الوقت صدر بيان رسمي عن الهيئة يوضح تفاصيل المشروع الروسي الأردني، وورد فيه أنه تم إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية القابلة للتمويل للمشروع حيث قامت الشركة بإعداد الدراسة،  بالتزامن مع دراسة العروض المالية والتمويلية المقدمة من الجانب الروسي ومن الممولين المحتملين للاجزاء غير النووية، وتقييم مخرجات هذه الدراسة ومقارنتها مع شروط الاستثمار الخاصة بالجانب الأردني بموجب الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الروسي .

 وقد بينت الدراسة أن العرض المقدم لم يلب الشروط الاستثمارية الخاصة بالجانب الأردني من حيث سعر الكهرباء المنتجة والكلفة الاستثمارية للمشروع وشروط التمويل، مما نتج عنه ارتفاع أسعار الكهرباء المنتجة وارتفاع الكلفة الاستثمارية المطلوب تأمينها من الحكومة الأردنية، وبناء عليه قررت الحكومة إنهاء اتفاقية التطوير مع الجانب الروسي لعدم تلبية الشروط الاستثمارية الخاصة بالجانب الأردني، وقد أعلن عنها بشكل رسمي، ونشرت عبر مختلف وسائل الإعلام. 

وعلى ضوء إنهاء اتفاقية تطوير مشروع محطة الطاقة النووية مع الجانب الروسي وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بمشروع المحطة النووية الأردنية، ولأن الأعمال والنشاطات التي باشرت بها الشركة قاربت على الإنتهاء، فقد قررت الحكومة تصفية الشركة اختياريا من قبل الهيئة العامة للشركة وفق الأسس القانونية المعمول بها.

“تأتي هذه التقارير في وقت يخرج به رئيس مجلس هيئة الطاقة الذرية الأردنية الدكتور خالد طوقان ليصرح لوسائل الاعلام بأن “وقودنا ونفط المستقبل” هو اليورانيوم، وأن الكميات الموجودة لدينا تكفي 150 عاما، وأن السياسة المالية الحالية أستجوبت عليهم الأنتقال من بناء المفاعلات الكبيرة إلى بناء المفاعلات الأصغر حجما التي تصل استطاعة الواحد منها إلى 110 ميغاواط، وأنه سيتم بناء مفاعلين او 6 مفاعلات وبذلك يكون الحل أنسب للشبكة الكهربائية بالنظر الى خليط الطاقة الكلي”، وفق ما يقوله خضير، ويضيف اللافت بالأمر أن المفاعلات الصغيرة هذه لم ترخص بالسابق من قبل هيئة الطاقة الذرية الدولية الا في تجربة وحيدة في الصين، وقبل سنوات حصلت مفاوضات ما بين ممثلين عن الهيئة والصين من أجل بناء ذات المفاعلات الموجودة لديهم، وإلى اليوم ما زال مشروع البناء معلق.

توجه الهيئة هذا يأتي في وقت تتجه به دول العالم إلى إلغاء المفاعلات النووية،  كبلجيكا التي اوقفت العمل في المفاعل النووي لديها وأصبح هيكلا فقط، والسويد التي أصدرت قانونا عام 2003 الزمت به شركة توليد الكهرباء بانها انتاج المفاعلات النووية جميعها عام 2025، وسويسرا كذلك الأمر قررت أن تنهي المفاعل النووي عام 2034 والاتجاه إلى الطاقة البديلة.

المفاعل النووي إلى مسار جديد

مطلع العام الحالي قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الدكتور خالد طوقان في تصريح صحفي لقناة المملكة، إنه يُدرَس حاليًا إمكان بناء مفاعلات نووية صغيرة تُسهِم في توليد الكهرباء في البلاد.

وبحسب طوقان؛ فإن المفاعلات النووية الصغيرة التي تُدرَس في الوقت الحالي، من المنتظر أن تكون مصدرًا مستدامًا لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى استخدامها في تحلية المياه.

من أين سنحصل على الماء لتبريد المفاعل؟

في دولة تصنف على أنها واحدة من أفقر الدولة مائيا، تصل كميات المياه اللازمة لتشغيل كل مفاعل نووي  1000  MWE في الظروف العادية، بحوالي 65 مليون متر مكعب، يُستهلك منها على شكل فاقد ما يقرب 25 مليون متر مكعب سنويا، ويعتمد ذلك على نوعية المياه ودراسات الجدوى الفنية، أما في حالات الحوادث النووية، فالمفاعل بحاجة إلى كميات هائلة تصل إلى عشرات أضعاف هذه الكميات، ولذا أغلب المحطات النووية تقام بالقرب من أجساد مائية كالبحيرات أو البحار، بالتزامن مع ما يعرف عالميا بأنه لا يوجد أي مفاعل نووي في العالم يقوم بتحلية مياه الشرب كما كان يروج للمشروع، وفق ما يقوله مدير الموقع في هيئة الطاقة الذرية سابقا الدكتور كمال خضير. 

“كانت هيئة الطاقة الذرية قد شكلت لجنة وطنية لاختيار مواقع المفاعلات الذرية، حيث تمت دراسة عدة مواقع في المملكة، وهي أربع مواقع في منطقة العقبة، وقد تم استثناء ثلاثة منها والإبقاء على الموقع الوحيد المناسب لإقامة محطة الطاقة النووية عليه، والذي يقع على بعد 10 كم شرق شاطئ خليج العقبة، وبالقرب من حدود المملكة العربية السعودية، ثانيا موقع وادي عربة، والذي تم استثناءه لوجوده في حفرة الانهدام، ثالثا موقع حوض الحماد، وقد تم استثناءه لعدم وجود كميات مياه تبريد كافية، وأخيرا موقع الخربة السمراء والذي تم استثناءه لعدم وجود كميات مياه كافية، ولقربه من السكان، ولتعذر نقل المعدات الثقيلة إليه، وبالتالي نسبت اللجنة الوطنية أنذاك بإختيار موقع العقبة،” كما يؤكد خضير، ووفق ما يظهر بالخريطة أماكن توزيع المشروع النووي المقترحة . 

لهذه اللحظة لم يتم اختيار مكان محدد لإقامة المفاعلات النووية في الأردن.

مياه صرف صحي لتبريد المفاعل؟

في البحث تبين أنه تم إنشاء محطة نووية يطلق عليها (بالوفيردي) في صحراء الولايات المتحدة الأميريكية قبل أكثر من ثلاثين عاما، ويتم تزويدها بالماء الخاص بالتبريد من خلال محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي تبعد حوالي 50 كيلومترا عن المحطة، وعادة ما يتم اللجوء إلى هذه المحطات الصغيرة لتزويد المدن بالطاقة الكهربائية، ومما لا يزيد عدد سكانها عن 5 ملايين نسمة. 

تنصح الإرشادات الدولية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الدول الراغبة في بناء مفاعل نووي لأول مرة باختيار تكنولوجيا مثبتة وقد سبق تجربتها، وترخيصها، وقد أتمت إختيار وتوصيف الموقع بشكل سابق، وتم الاتفاق عليه داخل الدولة، وتؤكد كذلك التقارير الصادرة عن ذات الوكالة بضرورة تأمين القبول المجتمعي للموقع النهائي قبل البدء حتى في استدراج العروض لتشغيل المفاعل. 

كذلك فإن الوكالة أوصت في حالة دولة كالأردن لا تزال تطور خبراتها، بأن أي مفاعل يجري العمل على ترخيصه فيها، يجب أن يكون قد تم ترخيصه وبناءه في دولة لديها خبرة موثوقة كبلد المنشأ، حتى لا يتسبب هذا المفاعل في أزمة للبلاد، وهنا يرد تعليق للبرفيسور ستيف ثوماس من جامعة جرينتش في لندن وذلك وفق تقرير نشره عن أزمة المفاعلات، أنه ولدولة ” كالأردن” ليس لديها خبرة نووية سابقة، فإن طلب شراء مفاعل ذو تصميم غير مجرب كونه الأول من نوعه في المنطقة قد ينطوي على مخاطر بيئية هائلة للدولة حال تم بناءه. 

ترد مجموعة من الأخطار البيئية للمشروع النووي في كتاب صدر للدكتور أيوب أبو دية عام 2015 بعنوان ” سقوط الحجاب عن الطاقة النووية”، حال حدوث تسرب للإشعاعات النووية، والملوثات خلال مراحل التعدين، وإنتاج اليورانيوم المخصب، بالتزامن مع عدم وجود كفاءات علمية متخصصة في التعامل مع المفاعل، والتخلص من النفايات النووية، من خلال دفنها أو إعادة استخدامها. 

ويستعرض الكتاب في أبوابه حادثة كارثة مفاعل فوكوشيما النووي التي حدثت عام 2011، وما تسببت به من دمار هائل للمدن، ووفاة وتشرد لملايين الأشخاص.

النووي لا يلقى قبول مجتمعي 

ما تزال أصوات الهتافات الرافضة لإقامة المشروع النووي حاضرة في ذاكرة رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان، بعد ان كانت هيئة الطاقة الذرية قبل سنوات أرادت  دراسة إقامة المشروع النووي بالقرب من ” قصر عمرة” الأثري، وهو ما أثار حفيظة أبناء المنطقة أنذاك، فكان الهدف الرئيس من الإعتصام وقف السير في تنفيذ المشروع الذي يخدم مصلحة فئة معينة على حد وصف المناهضين، وأن هناك بدائل بإستخدام الطاقة المتجددة، تغطي إحتياجات المملكة من الكهرباء. 

  • صورة من صفحة ” أموي” مش نووي” والتي أطلقها ناشطون رافضون لإقامة المشروع النووي بالقرب من قصر عمرة.

في ذات الأسبوع خرجت العديد من الاعتصامات المناهضة لإقامة المشروع النووي، وبمشاركة النواب محمود الخرابشة، وهند الفايز وجمع غفير من عشائر بني صخر، وشكلت قوى مجتمعية ضغطت باتجاه تحويل سير المشروع على ما يقول الشوشان، ويضيف” لم يلقى هذا المشروع قبولا مجتمعيا لعدم مصارحة القائمين عليه للشعب المخاطر المحتملة لهذا المشروع على مختلف النواحي، الاجتماعية منها والبيئية، والأهم من ذلك سلامة المواطن الأردني، الذي سيدفع في نهاية المطاف تكاليف عمل هذا المشروع”

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *