الزراعة الذكية تقود ثورة خضراء لإنقاذ البشرية

Posted by

هبه بني مصطفى ، حنان خندقجي ، تميم الزيود

صدفة هي من قادت المهندسة حنين الترتير قبل سنوات الى البدء بمشروعها الزراعي الخاص على سطح بيتها، فضول ما قادها إلى زراعة الخس بإستخدام المياه بدل التربة، بعد مشاهدتها لتجارب دول عدة تستخدم الزراعة المائية خلال مراحل دراستها الهندسة الزراعية في الجامعة الأردنية.

بعد ثلاثين يوما تفاجأت الترتير بنمو الخس في مشتلها المائي بشكل سريع، وهو بالعادة يأخذ ما يقرب ال 60 يوما ليصل إلى الحجم المتوسط، تقول الترتير إن ما يميز الزراعة الذكية عن غيرها أنها لا تحتاج إلى مكان محدد، أو تربة صالحة للزراعة، فكل ما في بالأمر هو مسطح فارغ ومياه أقل من التي تستخدم في الزراعة التقليدية. وتضيف الترتير التي توسعت بمشروعها الزراعي خلال السنوات الماضية باستئجار قطعة أرض لبناء البيت البلاستيكي الخاص بالمشروع:” أقوم بإدارة االمشروع من خلال وحدات التحكم الخاصة بالري مما يجعل الأمر أكثر سهولة  لأن الماء يكون أسفل النباتات، بالتزامن مع وضع جهاز خاص بتزويدها بالتهوية المناسبة من خلال محطة أكسجين يتم ربطها من خلال مؤقت، يعمل حسب الحاجة “. 

البيت البلاستيكي الخاص بالمهندسة حنين الذي يستخدم فيه الزراعة المائية

الزراعة المائية توقف هدر المياه!

تعرف منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” الزراعة الذكية أنه نهج  يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل و إعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة و ضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير.

وبحسب موقع الفاو تهدف الزراعة الذكية إلى معالجة ثلاثة أهداف رئيسية وهي: زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية و الدخل، التكييف و بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ،  خفض و / أو إزالة انبعاثات غاز الاحتباس الحراري  حيثما كان ذلك ممكناً. 

يقول الخبير و الباحث البيئي الدكتور أحمد الشريدة إن الأردن يواجه مشكلة هدر في مياه الري عبر الطرق التقليدية كالري عبر الأقنية، الري عبر الرشاشات، الري السطحي و أخيراً الري بالتنقيط. فكان لا بد من إدخال تكنولوجيا ذكية للتقليل من الهدر المائي بحيث يأخذ النبات حصته من المياه التي تكفيه و لا تزيد عن حاجته عبر استخدام انظمة الزراعة الذكية (بواسطة الكمبيوتر و الأدوات الذكية) خاصة أنها تقوم على  ترشيد إستخدام الموارد الطبيعية و لا سيما مياه الري.

و أضاف الشريدة أن من أبرز طرق الزراعة الذكية هي الزراعة المائية التي لا تعتمد على الإنبات في التربة و إنما تقوم على إنبات في نظام دوار من المياه بتقديم العناصر الغذائية للنبات من خلال عملية دورة مائية، و ميزة هذا النوع بالنسبه للأردن هي أنه يوفر الكثير من الأراضي، خاصة و أن المناطق الزراعية إنخفضت بسبب الزحف العمراني، كما يوفر الوقت و الجهد والماء و تعطي نباتات غير معدلة وراثياً.

 فيما يعرف الباحث في المركز الوطني للبحوث الزراعية المهندس يحيى أبو صيني الزراعة الذكية أنها نظام زراعي يعتمد على تطبيق  التقنيات الزراعية المتقدمة من اجل إنتاج الغذاء بطرق مستدامة وصحية، مع المحافظة على الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها، وزيادة كفاءة استخدام المياه، والتقليل من مدخلات الانتاج وتعظيم الفائدة منها وزيادة كفاءتها، من خلال أتمتة العمليات الزراعية كالري والتسميد ومكافحة الآفات ومراقبة التربة والمحاصيل، والحصول على بيانات دقيقة وتحليلها وادارتها، واستثمار هذه البيانات في توجيه الزراعة توجيهًا دقيقًا نحو إنتاج أكبر بتكلفة أقل، ومن اجل اتخاذ القرارات المناسبة في عملية الانتاج، وإنتاج محاصيل ذات جودة عالية. ومن اهم التطبيقات والتقنيات الذكية أنظمة التحكم عن بعد، والآلات ذاتية التشغيل، انترنت الاشياء، الاستشعار عن بعد، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الطائرات بدون طيار، تطبيقات الهواتف الذكية، الريبوتات و الزراعة الرأسية.

و لترجمة مفهوم الزراعة الذكية مناخياً يقول المهندس يحيى أبو صيني إن الحكومة الأردنية تعمل بالتعاون مع أذرعها الزراعية المعنية على  تطوير نظم الإنتاج النباتي و الحيواني من خلال حزمة تمويل مشاريع استخدام التقنيات الزراعية الحديثة مثل أكوابنك و هايدروبنك و نظم الري الحديثة ، دعم استخدام الطاقة الشمسية في قطاع الزراعة، دعم التحول الى التربية المغلقة في مزارع الثورة الحيوانية، الإستثمار في “المجترات الصغيرة” و انتشال الأسر الريفية من الفقر.

من جانبه يؤكد منسق مشاريع برنامج التعاون الفني في “الفاو” المهندس جعفر العميان أن من بين الأنظمة التي تندرج تحت مفهوم الزراعة الذكية مناخيا والتي قامت الفاو بتطبيقها في الأردن لمقاومة التغير المناخي هي: الزراعة المائية و الزراعة الأحيومائية (الأكوابونيكس)، وهي عبارة عن نظام يجمع أفضل ماهو موجود في الزراعة المائية (الزراعة بدون تربة) والإستزراع السمكي المكثف في نظام مغلق، و الزراعة الهوائية، و تعد  من أبرز أنظمة الزراعية الذكية المناخية، اذ لا تعتمد على التربة و يكون النبات مزروعاً في بيئة هوائية أو ضبابية و تعتمد على تشكيل طبقة ضبابية من الماء حول الجذور و تعد الأكثر كفاءة و إنتاجية من بين أنظمة الزراعة الذكية اذ توفر 90% من المياه.

احدى المشاريع التابعة “للفاو” المصدر: أصحاب التقرير

يختلف استهلاك المياه في الأردن بحسب توزيع القطاعات، ويعد القطاع الزراعي المستهلك الأكبر وبنسب وصلت عام 2014 إلى ما يقرب 53%، ثم عادت للإنخفاض خلال عام 2017 إلى 45% ، ثم يأتي بعد ذلك القطاع المنزلي ثم الصناعي، كما يظهر في التوزيع التالي. 

الأردن كغيره من الدول يشهد تأثرا على قطاعه الزراعي نتيجة تغير المناخ، بالإضافة لفقر المياه اذ يعد الأردن ثاني افقر دولة في المياه على مستوى العالم، كما أن حالة الجفاف و الزحف العمراني على حساب الأراضي الزراعية جميعها عوامل أسهمت إلى حد بعيد في تراجع مستوى الإنتاجية و تدنيها، و إنخفاض إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي و التراجع الكبير في قدرته على استدامة الأنشطة الزراعية الأمر الذي يهدد بقاء هذا القطاع، فكان لا بد من وجود نداء استغاثة للنهوض بالقطاع الزراعي على ما تقول الترتير. 

وتضيف” تساهم الزراعة المائية في توفير ما يقرب 95% من إستخدام الأسمدة والمياه، بالتزامن مع سرعة الإنتاج، إذ أن إنتاج الخس في الزراعة التقليدية، قد يحتاج من 45 إلى 60 يوماً، بينما في حالة الزراعة المائية فينمو خلال 30 يوماً ويصبح جاهزاً للبيع. 

لا يوجد إحصائية رسمية حول أعداد مشاريع الزراعة المائية المنتشرة في المملكة، لكن حاولنا من خلال بحثنا هذا أن نقوم بإحصاء مجموعة من هذه المشاريع  كما تظهر في الخريطة. 

خلال الأيام الماضية عملت وزارة الزراعة على إطلاق الخطة الوطنية للزراعة المستدامة للأعوام 2023-2025 والتي تهدف بشكل أساسي إلى دعم تكيف القطاع الزراعي في الأردن مع تغير المناخي ولغايات تعويض النقص في مصادر المياه والضغط على الأمن الغذائي وذلك من خلال نقل التكنولوجيا المبتكرة في مجالات مختلفة منها، إعادة إستخدام المياه المستصلحه، والتشجيع على مشارريع الحصاد المائي، والزراعة المستدامة، او ما يطلق عليها “الزراعة الذكية، وقامت الوزارة بطرح مجموعة من الفرص للمزارعين لتشجيعهم لغايات الاستثمار في بعض المحطات الزراعية النباتية، كما تظهر في الشكل التالي. 

بالتزامن مع عمل وزارة الزراعة، تعمل اليوم وزارة البيئة على تطبيق  دعم أنظمة الزراعة الذكية، يقول  الناطق الإعلامي بوزارة البيئة المهندس أحمد عبيدات” إن  الزراعة الذكية لدى وزارة البيئة محور أساسي من المحاور التي تعنى بها الوزارة من خلال فتح النطاق لمؤسسات المجتمع المدني و الأفراد و المشاريع الريادية المعنية بالمشاريع الزراعية، من خلال صندوق البيئة الذي يقدم منحاً و مساعادات للجادين في مشاريع زراعة ذكية لمواكبة التطور في قطاع الزراعة، و مواجهة مشكلة التغير المناخي للنهوض ببيئة أفضل. كما أطلقت الوزارة عدداً من الخطط بالتعاون مع وزارات و مؤسسات تعنى بالزراعة من أجل التصدي لظاهرة التغير المناخي.
تقرير في أحد المشاتل التابعة لوزارة الزراعة في محافظة جرش

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *